|
الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام أبُحآر َقِلمَ عُبُر حرٍف ومقِآل |
للإتصال بالإدارة عند حدوث أي مشكلة أو إبداء رأي
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#11 | ||||
![]() ![]() ![]()
|
![]() مع القيام
كما أن رمضان شهر الصيام، فهو كذلك شهر القيام، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( يا أيُّها المُزَّمِلُ قُمْ الَّيْلَ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً وَرَتّلِ القُرْءَان تَرْتِيلاً إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً )[المزمل: 1-5 ]. ويقول سبحانه في صفة عباده المحسنين: ( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ الَّيْلِ مَا يَهُجَعُونَ وبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )[الذاريات: 17، 18]. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"(1). وفي سنن الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفَلَ(2) الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما اسْتَبَنْتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: "يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"(3)، إذن، ففضل قيام الليل – عمومًا- فضل عظيم، بدلالة تلك النصوص. وفي قيام رمضان خاصة يقول النبي صلى الله عليه وسلم ،كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه"(4). وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان، كما في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا؛ فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهّد، ثم قال: " أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها"(5). وروى أهل السنن بسند صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئًا منه، حتى بقي سبع ليال، فقام بنا ليلة السابعة حتى مضى نحو من ثلث الليل، ثم كانت الليلة السادسة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الخامسة التي تليها، ثم قام بنا حتى مضى نحو من شطر الليل. فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا(6) بقية ليلتنا هذه. فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف؛ فإنه يعدل قيام ليلة، ثم كانت الرابعة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الثالثة التي تليها، قال: فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس، قال: فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور. قال: ثم لم يقم بنا شيئًا من بقية الشهر"(7). وحول قيام رمضان لنا عدة تنبيهات: — التنبيه الأول: حول عدد صلاة التراويح: فالناس مختلفون اختلافًا كبيرًا في عددها من إحدى عشرة ركعة إلى تسع وأربعين ركعة، وما بين هذين العددين، والذي يعنينا في هذا المقام أمور، منها: أولاً: كم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أصح ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت: "ما كان رسول الله r يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة"(8). لكنه صلى الله عليه وسلم كان يطيلها ويحسنها، كما ذكرت عائشة - رضي الله عنها - في هذا الحديث نفسه. — ثانياً: ما الذي فعله الصحابة ؟ لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم زال الخوف أن تفرض صلاة التراويح؛ فأمر عمر رضي الله عنه المسلمين أن يجتمعوا على الصلاة، حيث دخل المسجد فوجدهم أوزاعًا(9): يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرجل والرجلان والرهط..؛ فرأى عمر أن يجمعهم على إمام واحد، فأمر أبي بن كعب وتميم بن أوس الداري رضي الله عنهما أن يصليا بالناس. فكم- يا ترى- صليا بالناس؟ ورد في ذلك روايتان كلتاهما صحيحة، وهما من طريق السائب بن يزيد. الرواية الأولى: أن عمر رضي الله عنه أمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة. والرواية الثانية: أن تميم بن أوس الداري وأبي بن كعب -رضي الله عنهما - صليا بالناس إحدى وعشرين، وفي رواية ثلاثًا وعشرين ركعة. أما رواية إحدى عشرة فهي في موطأ مالك(10)، وسندها صحيح. وأما رواية إحدى وعشرين فهي في مصنف عبد الرزاق(11)، وسندها صحيح أيضًا. وأما رواية ثلاث وعشرين فهي في سنن البيهقي(12)، وسندها صحيح كذلك. فما الموقف من ذلك؟ بعض أهل العلم حكموا على رواية إحدى وعشرين وثلاث وعشرين بالشذوذ. ولكن لا داعي للحكم بالشذوذ ما دام الجمع ممكنًا، فنجمع بينها بما جمع به الحافظ ابن حجر - رحمه الله- حيث قال: "إنه يحمل على التنوع والتعدد بحسب الأحوال وحاجة الناس، فأحيانًا كانوا يصلون إحدى عشرة، وأحيانًا إحدى وعشرين، وأحيانًا ثلاثا وعشرين، بحسب نشاط الناس وقوتهم. فإن صلوا إحدى عشرة أطالوا حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام ". وإن صلوا ثلاثًا وعشرين خففوها، بحيث لا يشق ذلك على الناس. وهذا جمع حسن. وانقدح في نفسي جمع آخر لعله يكون معقولاً أيضًا، وهو أن عمر رضي الله عنه أمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة - وهذا لم تختلف فيه الروايات-، ولكن أبيًّا وتميمًا - رضي الله عنهما - صليا بالناس إحدى وعشرين أو ثلاثًا وعشرين؛ فالأمر من عمر بإحدى عشرة، والفعل منهما كان بإحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وذلك قد يكون بناء على أمر عرض لهما، رَأَيَا فيه أن المصلحة أن يصليا إحدى وعشرين أو ثلاثا وعشرين؛ لحاجة الناس إلى ذلك، كأن يكون الناس يستطيلون القيام والركوع والسجود وغيره حينما يصلون إحدى عشرة ركعة، فرأوا أن تكون الصلاة إحدى وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين ركعة، يخففون فيها القيام، والركوع، والسجود؛ ليكون أمكنَ لهم في العبادة. وهذا الجمع ممكن أيضًا، وبذلك تأتلف النصوص. وسواء صلَّى الناس إحدى عشرة، أو إحدى وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين؛ فإن الأمر الذي ينبغي التنبيه إليه أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أنه لا تجوز الزيادة في التراويح على إحدى عشرة ركعة؛ قول ضعيف جدًا، لا ينبغي الالتفات إليه، لسببين: الأول: لأن الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن صلاة الليل؛ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "مثنى مثنى.."(13) وهذا الأعرابي ما كان يعرف صفة صلاة الليل، فضلاً عن أن يعرف عددها، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك: مثنى مثنى أي: تسلم من كل ركعتين، ولم يحدد له في ذلك عددًا محدودًا؛ بل أطلق الأمر. الثاني: أن النوافل المطلقة جائزة على الإطلاق ليلاً ونهارًا، إلا في أوقات النهي، فلو صلى الإنسان قبل الظهر، أو بعد الظهر، أو بعد المغرب، أو بعد العشاء، أو في الضحى ما تيسر له: ركعتين، أو أربعًا، أو عشرًا، أو عشرين؛ فلا بأس، فهذه نوافل مطلقة، وجماهير الأمة - بما فيهم الأئمة الأربعة- على أنها لا تُحدَّ بعدد لا تجوز الزيادة عليه، وإن كان منهم من يقول: إن هناك عددًا أفضل من عدد آخر. — التنبيه الثاني: أن الصلاة عمومًا - بما في ذلك النافلة- إنما شرعت؛ لتهذيب النفوس، وتصفية القلوب وتطهيرها من الحقد والحسد والبغضاء، وجعلها متآخية متحابة متقاربة، وهذا من أعظم مقاصد العبادات، وهذا أمر ملحوظ؛ فإن العبد إذا أقبل على صلاته رقَّ قلبه، وسمت نفسه، فكيف يجوز أو يسوغ شرعًا أو عقلاً أن يكون هذا الأمر الذي شرع لهذه المقاصد السامية مجالاً للخصام والتنافر والتباغض بين بعض طلبة العلم، حينما يسوِّدون الصفحات الكثيرة خصامًا في صلاة التراويح، وهجومًا على بعض، وردًّا على بعض، وتشهيرًا ببعض؟! كما قد يقع ذلك - أيضًا- من العامة في المساجد إذا دخل رمضان، فهم بين قائل للإمام: صلَّ إحدى عشرة، وقائل: صلَّ عشرين، وقائل: خفف الصلاة، وقائل: أسرع فيها، وقائل: أبطئ.. وهكذا يختلفون على الإمام، وتتحول العبادة التي شرعها الله تعالى لتهذيب الأمة أفرادًا ومجتمعات، ولجمع الكلمة؛ تتحول في هذا الزمان إلى ميدان لأضداد مقاصدها، فنسأل الله أن يرد الأمة إلى الفقه في دينه، والاجتماع عليه. إن جمع الكلمة، وسلامة القلب، وطهارة النفس، من مقاصد الشرع المُجمع عليها عند جميع المسلمين، أما عدد الركعات فمن المختلف فيه، فكيف نقدِّم العناية بالمختلف فيه على العناية بالمجمع عليه؟ — التنبيه الثالث: أن من المهم التوسعة في هذه الأمور على الناس، فإننا نعلم من هدي الإسلام أنه دين يسر وسماحة، ومن نماذج ذلك ما جاء في الحديث المتفق عليه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع، فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح، قال: "اذبح ولا حرج". فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: "ارم ولا حرج". فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج"(14). فكان صلى الله عليه وسلم يحب التوسعة على أمته، وهذا المسلك نجد علماء أهل السنة يسلكونه عبر العصور، وهكذا يجب علينا في هذا العصر أن نبتعد عن المشقة على الناس في صلاة التراويح وفي غيرها، ومن الابتعاد عن المشقة أن يراعي الإمام حال المأمومين، فإن كان يشق عليهم، -مثلاً- أن يصلي بهم عشرين ركعة؛ فليصل بهم عشرًا، وهذا أوفق وأقرب للسنة. وإن كان أكثرهم اعتادوا على عشرين ركعة، وهي أخف عليهم من عشر يطول الوقوف فيها؛ فليصل بهم عشرين ولا حرج، إذ ليس ثمة حدٌّ لصلاة التراويح، وإنما الذي تجب مراعاته أن تكون مَثْنى مَثْنى. فالحاصل أنه ينبغي مراعاة حال الناس في شأن صلاة التراويح كما تبيَّن، وإن كان الأصل أن يكون العامة تبعًا لعلمائهم وأئمتهم، وطلاب العلم منهم، وليس الأصل أن يفرض العامة على الإمام عدد صلاة التراويح، وإنما يراعى حالهـم؛ إزالة للمشـقة، ودفعًا للخلاف بين المصلين. -------------------------------------------------------------------------------- (1) مسلم (1163) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) انجفل: أسرع. المعجم الوسيط (1/132). (3)أخرجه الترمذي (2485) من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال الترمذي: حديث صحيح. (4)البخاري (37)، ومسلم (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (5) البخاري (924)، ومسلم (761) من حديث عائشة رضي الله عنها. (6)لو نفلتنا: لو أعطيتنا قيام بقية الليل وزدتنا إياه؛ كان أحسن. (7) أخرجه الدارمي (1777)، الترمذي (806)، وأبو داود (1375)، والنسائي (1364)، وابن ماجه (1327)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (8) البخاري (2013)، ومسلم (738) من حديث عائشة رضي الله عنها. (9) أوزاع: متفرقون غير مجتمعين على إمام واحد. لسان العرب (8/391)، النهاية (5/180). (10)أخرجه مالك في الموطأ (248)، والفريابي في كتاب الصيام (174)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/293)والبيهقي في السنن الكبرى (4392). (11)مصنف عبد الرزاق (7730) من طريق محمد بن يوسف الكندي عن السائب بن يزيد. (12)سنن البيهقي (3270) من حديث مالك عن يزيد بن رومان. (13)رواه البخاري (472)، ومسلم (749) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-. (14)أخرجه البخاري (83)، ومسلم (1306) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص t. وأخرجه البخاري (84)، ومسلم (1307) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. |
||||
![]() |
![]() |
|
|