خطبه بلاغيه أبداعيه للخليفه الراشد علي كرم الله وجهه ...أقرئوها للنهايه

[ابراهيم الشدي]

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "

ابتدعهم خلقا عجيباً من حيوان وموات ، وساكن وذي حركات ، فاقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته ما انقادت له العقول معترفةً به ومسلمة له . ونعقت في اسماعنا دلائله على وحدانيه ، وما ذرأ من مختلف صور الاطيار التي اسكنها أخاديد الارض وخروق فجاجها ورواسي اعلامها . من ذات أجنحة مختلفة وهيئات متباينة ، مصرفة في زمام التسخير ، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق المنفسح ، والفضاء المنفرج ، كونها بعد أن لم تكن في عجائب صور ظاهرة ، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة ، ومنع بعضها بعبالة خلقة أن يسمو في السماء خفوفاً ، وجعله يدف دفيفا . ونسقها على اختلافها في الاصابيغ بلطيف قدرته ودقيق صنعته . فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه ومنها مغموس في صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به ومن اعجبها خلقا الطاووس . الذي أقامه في أحكم تعديل ونضد ألوانه في أحسن تنضيد ، بجناح أشرج قصبه ، وذنب أطال مسحبة ، إذا درج الى الانثى نشره من طيه وسما به مطلا على رأسه كأنة قلع داري عنجه نوتيه يختال بألوانه ويميس بزيفانه يفضي كإفضاء الديكة ويؤر بملاحقة أر الفحول المغتملة في الضراب أحيلك من ذلك على معاينة لا من يحيل على ضعيف إسناده ولو كان كزعم من يزعم أنة يلقح بدمعة تسفحها مدامعه فتقف في ضفتي جفونه وأن انثاه تطعم ذلك ثم تبيض لا من لقاح فحل سوى الدمع المنبجس لما كان ذلك بأعجب من مطامعة الغراب تخال قصبه مداري من فضة وما أنبت عليها من عجيب داراته وشموسه خالص العيقان وفلذة الزبرجد فإن شبهته بما انبتت الأرض قلت جنى جني من زهرة كل ربيع وان ضاهيته بالملابس فهو كموشي الحلل اومونق عصب اليمن وان شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل يمشي مشي المرح المختال ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله واصابيغ وشاحه فإذا رمى ببصرة الى قوائمه زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته ويشهد بصادق توجعه لأن قوامه حمش كقوام الديكه الخلاسية وقد نجمت من طنوب ساقه صيصيه خفية وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة ومخرج عنقه كالابريق ومغرزها الى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية أو كحريرة ملبسة مرءاةً ذات صقال وكأنه متلفع بمعجر أسحم . الاأنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به ومن فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الاقحوان ابيض يقق فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق وقل صبغ الا وقد أخذ منه بقسط وعلاه بكثرة صقاله وبريق بصيص ديباجه ورونقه فهو كالازاهير المبثوثة لم تربتها أمطار ربيع ولا شموس قيظ وقد يتحسر من ريشه ويعرى من لباسه فبسقط تترى وينبت تباعا فينحث من قصبه انحتات أوراق الاغصان ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه ولا يخالف سالف الوانه ولا يق لون في غير مكانه واذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية وتارة خضرة زبرجديه واحيانا صفرة عسجدية .. فكيف تصل الى صفة هذا عمالق الفطن او تبلغة قرائح العقول أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين وأقل اجزائه قد أعجز الاوهام أن تدركه والالسنة أن تصفه ، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون فأدركته محدوداً مكوناً ومؤلفاً ملوناً وأعجز الالسن عن تلخيص صفته وقعد بها عن تأديه نعته وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة الى ما فوقهما من خلق الحيتان والافيلة ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح إلا وجعل الحِمام موعده والفناء غايته


نقلا عن كتاب نهج البلاغة