يا بني... لماذا هذه القسوة والعقوق.(( أمك المسكينة))

[محمد الفالح]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على رسوله الأمين.. وعلى آله وصحبه أجمعين.


قبل البدء في رسالتي هذه.. أريد أن أخبركم أنه منذ ما يزيد عن أربع سنوات خلت.. وعبارات رسالتي هذه ما خرجت.. كلما قربت أوراقي.. رفض الكتابة قلمي.. أبحث عن كلماتي وعباراتي.. فلا أجدها في نفسي.. بحثت عن السبب.. فإذا موضوع رسالتي هذه هو السبب.. لعظم أمره.. وخطورة شأنه.. فالداء قد عرف.. ولكن هل أستطيع أن أصف الدواء.. لمن أصيب بهذا الداء.. والله أسأل أن يوفقني لذلك.. فبالله استعنت.. وعليه توكلت.. وما ستقرؤنه قد كتبت.. ورسالتي كتبتها بلسان أم مسكينة.. توجهها لولدها العاق..


فتقول:.. يا بني هذه رسالة من أمك المسكينة.. التي تركتها وحيدة.. يا نور عيني.. ويا دم قلبي.. أرجوك أن تقرأ رسالتي إلى نهايتها.. وإن شئت بعد ذلك مزقها.. وإلا فاحرقها.. كما أحرقت قلبي.

لو تكرمت أسمع مني ما أريد قوله.. فأنا على يقين أنه ما زال في قلبك رحمة وشفقة على أمك الحنون.. واعلم أنني كتبت رسالتي.. بقلم مداده.. دموع عيني.. ممزوجة بدم قلبي.

يقول الله :{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}

يا حبيبي.. تعلم أنك الولد الوحيد لدي.. وقد رزقني الله إياك.. بعد سنوات طويلة من الانتظار.

يا بني.. كم هي فرحتي.. حينما علمت أنني حامل بك.. بل كل من يعرفني شاركني الفرحة والسرور.. وكانوا يدعون لي.. أن يرزقني الله برك.. ويرزقك رضاي.. ثم بدأت معاناة الحمل.. تسعة أشهر.. مع ما فيها من آلام وتعب.. ووحام ونصب.. ثم أي فرحة غمرتني.. حينما بدأتَ تتحرك في بطني.. وإذا توقفت حركتك فترة من الزمن.. يصيبني القلق والخوف..
ألم يقل الله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}

وإذا بساعة الوضع والولادة.ز قد حانت.. فعانيت ما عانيت.. من خوف وآهات.. من ألم وصرخات.. وشدة وطلقات.. شعرت بالموت.. مرات ومرات.. حتى صرختَ خارجاً إلى الدنيا.. {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْه ُكُرْهًا}

ولا يوصف شعوري.. حينما سمعتُ صراخك.. زالت آلامي.. ضمدت جراحي.. هدأت أنفاسي.

يا بني: تذكر أن حجري كان لك فراشاً.. وحضني دفئاً.. وصدري غذاءا.. كم أتعبتُ نفسي لترتاح.. وأشقيتها لتسعد.. وإذا مرضتَ سهرتُ بجوارك لتنام.. وإن أطلتَ نومك.. اقتربت منك.. أرقب زفيرك وشهيقك.. لا أهنأ بنوم.. ولا أرتاح بليل.. ومرت الأيام.. والشهور.. والسنين.. فأصبحتَ يا بني شاباً يافعاً.. اشتد عودك.. وقوي عظمك.. ومعالم الرجولة ارتسمت على محياك.. وذهبت مسرعة.. لأطلب الفتاة.. التي تريدها زوجة لك..

أتى يوم زفافك.. وليلة دخلتك.. فيا سعادتي في تلك الليلة.. قرة عيني سيتزوج.. هذا ما كنت انتظره.. وأحب يوم لقلبي أشهده.. وبعد زواجك بفترة.. خطواتك إلى بيتي ثقلت.. واتصالاتك قلت.. وحتى زياراتك المتباعدة انقطعت..

أسألك بالله يابني.. هل قصرت في حقك؟.. هل تأخرت في خدمتك؟.. هل أخطأت مرة واحدة في معاملتك؟.يا بني.. {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }

إذا يا بني لماذا هذا الجفاء القسوة؟ لماذا هذا العقوق الشدة؟
أين أنت من قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}

ألم تسمع ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم.. حينما سأله رجل: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك أمك أمك.. ثلاث مرات.. ولم يقل عليه السلام: زوجتك.. وأنسابك..
نعم يا بني.. لا أريد أن أجرحك بكلامي هذا.. لكنها هي الحقيقة.. بعتني وأنا أمك.. من أجل أن تشتري زوجتك وأنسابك.. واعلم أنه سيأتي اليوم الذي يبيعونك فيه.. لأنهم يعلمون أن من ترك أمه.. من باب أولى سيترك غيرها..

يا بني.. ما ظنك بدعاء يدعوا به جبريل.. ويؤمن عليه الرسول  ..ألا يستجاب؟ حيث كان دعاء جبريل.. من أدرك أبويه.. ولم يدخلاه الجنة.. فأبعده الله.. وأدخله النار.. فقال الرسول  آمين..

يا بني.. مع عقوقك لي.. إلا إني أخاف عليك من أن تصيبك شوكة في الدنيا.. فكيف لا أخاف عليك من نار جهنم.. رزقني الله وإياك الجنة.. آمين

بني من الذي أشقاك قل لي بأي متاهة ضلت خطاك
أراك فأسبل العبرات حزنا وأصرخ لوعة ماذا دهاك؟
أرى الشيطان منتفشاً يغني بكم طربا وقد نصب الشراكا
عجبت لسيد يعصيه عبد فكيف وانتتعصي من يراكا
أغرك حلمه بني مهلاً ألم تعلم به حي يراكا

يا بني.. لقد احدودب ظهري.. وارتعدت أطرافي..الأمراض أتعبتني.. والأسقام أثقلتني.. وكل ذلك بسببك.. ومع ذلك قلبي ينبض بحبك.. حتى عيناي ضعف نظرهما.. بسبب بكائي عليك.. لم أمتعهما برؤيتك بعد.. وإني والله أخشى أن أصاب بالعمى ولم أشاهدك بعد يا بني ..

متى سيأتي اليوم.. لتطرق باب بيتي تزورني.. بل متى يرن جرس الهاتف..لأسمع صوتك العذب..

يا بني.. إني أعلم أن الرسول  يقول: ثلاث دعوات مستجابات لهن لا شك فيهن.. وذكر منها دعوة الوالد على ولده..

يا بني.. اعلم أنه كلما ضيقت صدري.. وأبكيت عيني.. وأحزنت قلبي.. رفعت يدي إلى الله.. للدعاء عليك.. فيشتد بكائي.. خوفاً عليك.. لأنها إن رفعت دعوتي إلى السماء.. فستحل عقوبة من الله عليك.. أو مصيبة بدارك.. أو غير ذلك من الخزي..
لكن قلبي لا يطاوعني.. بأن أدعو عليك.. ولن أفعل ذلك أبداً.. فأنت مهما فعلت بي.. فأنت قطعة من قلبي..لا بل أنت قلبي كله..

يا بني.. ألم يأن لقلبك أن يلين.. ولنفسك أن تحن.. لأمك المسكينة.. التي ترتجي لقياك.

فكم من الأعياد انتظرتك.. بلهفة الجائع لطعامه.. وللعطشان لماءه..
وكم عيد للفطر.. انتظر فيه مجيئك.. وكم عيد للأضحى.. ارتجي فيه قدومك..لتشاركني فيه فرحة العيد.. لكني مع ذلك كله.. لم أيأس بعد.. فسانتظرك هذا العيد.. بنفس اللهفة.. فهل ستطرق باب بيتي لمشاركتي الفرحة؟..

يا بني.. إن لم تتب وترجع لأمك.. فاعلم أنك ستكتب رسالة لأبنك.. بقلم مداده الدم.. كما كتبت أنا رسالتي بالدمع.. واعلم أن الجزاء من جنس العمل..

وأخيراً أقول لك يا بني:

قررتُ أن أنساك مبتعدة فاصبر على البعد واستحمل خطاياك
نعم سأنساك لكن بعد معجزة إذا نسيتُ فؤادي سوف أنساك


وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته