|
للإتصال بالإدارة عند حدوث أي مشكلة أو إبداء رأي
الإهداءات |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
12-25-2005, 12:56 AM | #1 | ||||
|
" أقنعة الحُـــبّ " قصة قصيرة للكاتبه هدى الدهان
قصة قصيرة
أقنعة الحُـــبّ هُدَىَ الدَّهَّــــان أحْكَمَتْ تثبيت نظارتها فوق عينيها ...تذكّرَتْ عباراته التي كان يكررها دوما حين يعجز عن فهمها ..إنها تجيد الاختباء خلف أقنعة تنسجها هي... "إن هذه الأقنعة هي محاولة ذكية منكِ للاحتفاظ بمسافة أمان بينك وبين الناس.. ربما لتجبري الآخرين على التراجع تلك الخطوة التي لا يُسْعِفُكِ وقتك أو ظروفك بالتراجع بها.. هذه الأقنعة محاولة ذكية منكِ للاحتفاظ بمسافة أمان بينك وبين الناس..لكنك في نظري أجمل وأنقى وأصفى وجهاً وروحاً من كل أقنعتك". نعم ...إنها تجيد الاختباء خلف أقنعة شتى تُحَصِّنها من الآخرين ... ولكن هذه المرَّة كان هو من يحتاج للاختباء منها ....ضحكت في سِرِّها..في سرها فقط وخوفاً من أن تظهر على ملامحها آثار فرحتها به زمّت حاجبيها و أدارت وجهها إلى الجهة الأخرى ورسَمَتْ على ملامحها أمارات الجِدّ لتزداد صرامة أمامه .. أخبرها أنه يريد أن يعترف لها.. وأنه سيعترف .. لا بل إنه ـ في ارتباكِ وتلعْثُمِ طفلٍ يتهجّى الكلمات لأول مرة.. يعترف الآن بحبها...وأنه يذوبُ ـ كما تذوب قطعة الثلج في راحة اليد ـ هوىً إليها.. وأن كل مافعله ليثبت لها العكس لم يُجْدِ نفعا ولم يصدقه فيه أحد وأولهم هو .. وأنه أثقل عليها بميتافيزيقيات الطبيعة ومحاضرات الفلسفة وقرأ عليها صفحات من كتب الاجتماع في محاولة لإقناعها بأنَّ مابينهما ليسَ حُبّاً.. وإن كانَ كذلك فهو حُبٌّ محكوم عليه ألاَّ يتنسّمَ الهواءَ أو يرى النورْ.. وأنه بذل جَهداً يماثلُ جَهْدَ طالب الدكتوراه الذي أفنى زهرة شبابه في التنقيب ببطونِ الكتبِ والمراجعِ وحصادِ الفكر الإنساني عن كل ما يثبت أنه لايمكن لأيٍّ منهما أن يرى العالم في عيون الآخر . إعترف لها بأن هذا كله كان مضيعة للوقت ...الوقت الذي لم يبق منه أكثر مِمّا التهمته السنين ...فلا يمكن أن يحيا الإنسان نصف قرن آخر ليختار دربه من جديد ...إستمتعت وهي تستمع له ودُهِـشَ..أول مرة تستمع له .. كانت دوماً تقول له ما تريد وتأمره فيمْتَثِلُ طاعةً... مَرَّة قال " إنها لو كانت تخدم في الجيش لاستطاعت بفضل طبيعتها العسكرية تلك الارتقاء إلى منصب تحسد عليه ..." في الحقيقة ليس هذا ما تتقنه فقط .. فإذا تباطأ أو تلكَّأ تُلَوِّحُ له بيديهْا في تهديدٍ واضح بأن تستخدم الأيدي والأظافر والأسنان وكل ما حباها الله به من أعضاء جارحة لإجباره على تنفيذ ما تريد ...لايهم أين ينتهي هذا التهديدُ بالرَّكل والعضّ .. بالامتثال والطاعة أم بجلسة على فنجان قهوة لمصالحتها هي طبعا وطلب الغفران والتعهد بعدم العودة لمثل ماكان (وهي نادرا ما تتذكر ماكان ذنبه أصلا ) المهم أن ينفذ ولايناقش .. ورجل في مركزه لاتفارق الربطة عنقه ، والخمس لغات التي يتقنها حديثه ـ لايمكن أن يظهر أمام الآخرين والأهم الأخريات بخربشةٍ على الوجه مثلاً أو آثار عضٍّ على الرقبة. تذكرَتْ ...مرة كان مسافرا وأصيب بتشنج عضلي أقعدته آلامه عن العمل أياما وكانت تفصل بينهما أميالٌ وأميال .. مازحها قائلاً إنه لم يفتقدها أبدا كما افتقدها وهو مريض الآن.. حيث إنه بحاجة إلى قرصات يدها القوية التي تترك بقعاً ملونة تذكره بلوحات الفن التجريدي.. وأنه أحوج مايكون إليها وهوغريب هناك لتزيل مابه من ألم بقبضتها القوية . عادت إليه بالتفاتة من رأسها وهي تستمع إلى بقية اعترافاته ...لايَهُمُّ مافاتها فهي تعرفه كما تعرف الأمُّ أنَّ في أحشائها وليداً يريد أن يرشف من رحيقها هي ليتسلح به قبل أن يخرج إلى عالمهما .. أحسَّت به وبحبه .. وبقلب الأم غَفَرَتْ له صَمْته وادّعاءه ولامبالته طيلة هذا الزمن ..وصمتت ...أحست انها أمه بالفعل وهي تستمع لما يبوح لها به ....أحسَّتْ أنها أم تدخل غرفة ابنها المراهق الذي بدأ يخطو أولى خطواته ليكون رجلاً ....و..أول خطوات الرجولة عند الرجل أن يكذب ...أحست أنها سكنت تلك الغرفة في فكره منذ زمن .. سَكَنتها وهي تشمُّ رائحة دخان السجائر التي ينفثُ لوعته فيها و يخفيها عن أنظارها ورائحة العطر الذي يرشه ابنها الحبيب بعد كل سيجارة يُدخّنها حتى لايفتضح أمره .. لايعلم أنها تتسلى و تتلذذ أكثر حين يخافها ....وحين يكذب ويخفي أشياء وأشياء وهي تعلم أن يوم الجلوس أمامها على كرسي الاعتراف قريب جدا وبلا ستار بين الكاهن والمعترف.. وها هو بين ذراعيها . إدّعَتْ أنها متعبة الآن ..وأنها سوف تستمع له فيما بعد.. فمتعة المرء وهو يتذاكى ويجلس على منصة القضاء لاتعدلها متعة.. ولن تفوتها.. لن تضَحّي بذرّةٍ من إحساسها بهذه المتعة وتستمع له مرة واحدة . العجيب أنها هذه المرة لاتشعُرُ بالرَّغبة في أن تشرعَ أظافرها وتكشفَ عن أسنانها .. مَهدّدةً .. مُتوعِّدة .. هذه المَرَّة تريدُ أن تضع رأسه على صدرها لينام كوليد أضنته ساعات الولادة العصيبة وآن له أن يغفو.. و .. ويحلم . |
||||
|
|