الاستهزاء بدرجات الحرارة العالية
الحمدلله على آلاله والشّكر لله على توفيقه وإحسانه.. اللهمّ صلّي وسلّم على نبيّنا محمِّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
أخي، أختي في الله.. يا من تحمل لواء الإسلام
أحبتي في الله.. يا من تشاطروني حبّ الله ورسوله..
أحبتي في الله.. يا من أحببتكم لبذرة الصّلاح الّتي تملأ قلوبكم..
جئتُك اليوم لكي أهمس في أذنيك همسات قصيرات لعلَّها تقع مرداها في قلبٍ غافلٍ فيتذكَّر، وقلبِ جاهلٍ فيتعقَّل، قال –تعالى-: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذَّاريات: 55].
أخي، أختي في الله.. إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أنعم علينا بنعمٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ أمرنا أن نتمتع بهذه النَّعم بالطُّرق المباحة، ونتحدث بها أمام النّاس لإقرار نعمه -جلّ علا-: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحى: 11]، ومن هذه النِّعم التَّقنيَّات الجديدة الّتي باتت تنتشر بين أفراد مجتمعتنا انتشارًاواسعًا فأصبح التَّواصل بها سريعًا ودقيقًا والمعلومات تتناقل بسرعةٍ فائقةٍ ونحن نُغبط على هذه التَّقنيَّات، وأفرح يا أخي الحبيب عندما ترسل مقالًا مفيدًا أو حديثًا للتَّذكير وأوقات الصِّيام أو تذكيرًا بالأحداث..
ولكن أخي...أختي وددت لو أقف معك وقفة!!
أخي الحبيب...أختي الحبيبة مالي أراك تستهزأ بالطَّقس وارتفاع درجة الحرارة.. وتنسب للطَّقس ما لا ليس له يدٌ به، فبدلَّ أن تذكرك هذه الحرارة بنار جهنَّم وشدَّة حرّها ومن ثمّ تطلب من الله أن يعيذك من عذابها، ترسل العبارات المستهزأة بالطَّقس أملًا بأن تُضحك من حولك..
أخي الحبيب...أختي الحبيبة.. إنّي أخشى عليك من قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:"ألا هل عسى رجلٌ منكم أن يتكلم بالكلمة يضحك بها القوم؛ فيسقط بها أبعد من السَّماء، ألا عسى رجلٌ يتكلم بالكلمة يضحك بها أصحابه؛ فيسخط الله بها عليه؛ لا يرضى عنه حتَّى يدخله النَّار" [حسَّنه الألباني 2877 في صحيح التَّرغيب].
فلعلك تسأل أخي الحبيب...أختي الحبيبة سبب الحرارة العالية الّتي نحسُّ بها هذه الأيام فإليك الحديث الّذي قاله الّذي لا ينطق عن الهوى إن هو لا وحيٌّ يوحي: "اشتكت النّار إلى ربّها، فقالت: رب أكل بعضي بعضًا، فأذن لي بنفسين: نفس في الشّتاء ونفس في الصّيف، فأشد ما تجدون من الحرّ، وأشد ما تجدون من الزمهرير" [رواه البخاري 3260 ومسلم 617].
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قال القرطبي: لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته، قال: وإذا أخبر الصَّادق بأمرٍ جائزٍ: لم يُحتج إلى تأويله، فحمله على حقيقته: أولى، وقال النَّووي نحو ذلك، ثم قال: حمله على حقيقته هو الصواب، وقال نحو ذلك التَّوربشتى (فتح الباري (2/ 19)).
قال الشَّيخ محمَّد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: "وفي هذا الحديث: دليلٌ على أنَّ الجمادات لها إحساس لقوله: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً)، من شدَّة الحرِّ، وشدَّة البرد، فأذن الله لها أن تتنفس في الشِّتاء، وتتنفس في الصَّيف، تتنفس في الصَّيف ليخف عليها الحرَّ، وفي الشتاء ليخفَّ عليها البرد، وعلى هذا فأشد ما نجد من الحرِّ: يكون من فيح جهنَّم، وأشدُّ ما يكون من الزَّمهرير: من زمهرير جهنَّم.
فإن قال قائلٌ: هذا مشكلٌ حسَب الواقع؛ لأنَّ من المعروف أنَّ سبب البرودة في الشَّتاء هو: بُعد الشَّمس عن مُسامتة الرُّؤوس، وأنَّها تتجه إلى الأرض على جانبٍ، بخلاف الحرِّ، فيقال: هذا سبب حسِّي، لكن هناك سبب ٌوراء ذلك، وهو السَّبب الشَّرعيّ الّذي لا يُدرك إلا بالوحي، ولا مناقضة أن يكون الحرُّ الشَّديد الّذي سببه أنَّ الشَّمس تكون على الرُّؤوس أيضًا يُؤذن للنَّار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس، وكذلك بالنَّسبة للبرد: الشَّمس تميل إلى الجنوب، ويكون الجوُّ باردًا بسبب بُعدها عن مُسامتة الرُّؤوس، ولا مانع من أنّ الله -تعالى- يأذن للنَّار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزَّمهرير ليبرِّد الجو، فيجتمع في هذا: السَّبب الشَّرعيِّ المُدرَك بالوحي، والسَّبب الحسِّي، المُدرَك بالحسِّ"(شرح صحيح مسلم، شرح كتاب الصَّلاة ومواقيتها، شريط رقم 10، وجه أ).
فتوى الشّيخ عبدالرّحمن السّحيم -حفظه الله- عضو مركز الدّعوة الإرشاد في الرّياض
السّؤال: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بارك المولى في جهودك يا شيخ وجزاك الله عنّا خير الجزاء..
انتشر في الأجهزة المتطورة أي البلاك بيري.. عبارات منها ما يكون استهزاء بحرارة الجو مثل هذه العبارة "عزيزي الجو بخصوص أن حرارتج 48 شدّ حيلك درجتين وتصبح 50" هداهم الله فبدلًا أن يذكرهم ذلك من نار جهنّم ويستعيذوا منها.. يستهزؤون ليضحكون ما حولهم.. فما حكم هذا الفعل يا شيخ؟
وبارك الله فيك..
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت.
نعوذ بالله من الخذلان.
شِدّة الحرارة مِن فيج حهنّم، كما أخبر مَن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم .
والواجب على الإنسان أن يستعيذ بالله من النار .
لَمّا حَيِيَتْ قلوب السلف تأثّروا بِكُلّ مَنظر ومشْهَد يُذكِّرهم بالنار .
ما خرج ابن مسعود رضي الله عنه إلى السوق فَمَرّ على الحدادين فَرأى ما يُخرجون من النار إلاَّ جَعَلَتْ عيناه تَسِيلان.
قال عبد الله بن بشر: أن طاووسًا اليماني كان له طريقان إلى المسجد: طريق في السوق، وطريق آخر، فكان يأخذ في هذا يوما، وفي هذا يوما، فإذا مَرّ في طريق السوق فرأى تلك الرؤوس المشوبة لم ينعس تلك الليلة.
ومَرّ طاووس بِرَوّاس قد أخرج رأسًا، فَغُشِي عليه. رواهما أبو نُعيم في "الحلية"
وكان عمرو بن قيس إذا نظر إلى أهل السوق بكى، وقال: ما أغفل هؤلاء عما أُعِدّ لهم.
وكان مِن تمام حياة قلوب السلف أن يُحاسِبوا أنفسهم على كُلّ كَلِمة.
قال ابن القيم رحمه الله: وقد كان بعض السلف يُحَاسِب أحدهم نفسه في قوله: يوم حار، ويوم بارد. اهـ .
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: وقد أصبح مِن المعتاد لدى الناس تتبّع تَقَلّبات الجو ومقياس درجاته : حرارة ، وبرودة ، وما أكثر لِهَجَهم بذلك ، وإتباعه بالتأفيف والتألُّم مِن شِدّة الحر وشِدّة البرد ... ويَجْمُل بالمسلم التوقِّي عن متابعة مثل هذا واتِّخَاذِه حديثًا في المجالس . اهـ .
والله تعالى أعلم.
أسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم من أهل الجنَّة ويجيرنا من النَّار
وصلّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلّم