السلام عليكم و رحمة الله ,,
قرأت قبل فترة دراسة عن المشي لدى الإنسان , و كانت الدراسة تبين مدى التعقيد و الدقة في آلية و ديناميكة المشي و كيف يكون القوام البشري في غاية التوازن بكل أعضائه و أجزائه الكثيرة في حالة المشي على القدمين على الأسطح المستوية و أيضاً على الأسطح المتعرجة مهما بلغة درجة تعرجها انخفاضاً و ارتفاعاً ,,
و رغم أن المشي يعتبر من النشاطات البدنية المعقدة ديناميكيا و لكنها من أسهلها أداءاً و أكثرها فائدةً و فعاليةً , فالإنسان لا ينتقل من مكان لآخر إلا ب المشي و لا يكسب رزقه و يسعى في الأرض طلباً للقوت إلا عن طريق المشي (فأمشوا في مناكبها) , لذا فهو نشاط بدني فاعل و مفيد في الوقت نفسه ,,
و لعلي هنا أذكر بعض فوائد المشي و أهميته و دوره في صحة الإنسان و التي لا تخفى على الكثير منكم و أستطرد لبعض الأحاديث و الآثار من موروثنا الإسلامي التي ربما تكون جديدة على البعض , و هي محاولة بسيطة مني كي أجمل الحديث عن المشي في قالب واحد ليثري معلومات القارئ الكريم ,,
المشي .. صحة ,,
و أقول أن المشي أسهل و أفضل رياضة ممكن يقوم بها أي شخص سوي في أي مكان و في أي وقت و فوائده لا تحصى و نذكر منها : - أن المشي سبب في علاج أمراض القلب الوعائية لأنه يفيد في تقوية العضلة القلبية و ينقص و يخفض نسبة الكوليسترول الضار بالجسم و القلب, و يزيد من نسبة الدهون المفيدة الواقية من تصلب الشرايين ,, - يفيد في علاج ارتفاع التوتر الشرياني (إذا مشى الإنسان المصاب بهذا الداء ساعة يوميا ) ,, - المشي يساعد على تخفيف الوزن لأنه يحرق كميات كبيرة من السعرات الحرارية ,, - يزيد من لياقة الجسم لأنه يؤدي إلى تليين و سهولة حركة المفاصل و ارتخاء العضلات و تقوية تحمل العضلات و المفاصل,, - و له فوائد في علاج عسر الهضم و مفيد للأمعاء و يساعدها في القيام بوضائفها بفعاليه ,, - و يساعد في عملية التنفس الطبيعي بتقوية عضلات التنفس والعضلات الصدرية ,,
و فوائد أخرى كثيرة تتعلق بالصحة البدنية و النفسية للإنسان , و يكفي أن نعلم أ ن ممارسة رياضة المشي لمدة 30 دقيقة على الأقل يومياً يرفع كفاءة وظيفة القلب والرئتين، ويقلل من احتمالات التعرض لخطر الإصابة بالسكر بنسبة 50%، ويساعد على الوقاية من ضغط الدم المرتفع المصاب به خمس سكان العالم البالغين، ويقلل من كسر عنق الفخذ بنسبة تصل إلى 50% بين النساء، ويساعد على الوقاية من السلوكيات الخطرة ومكافحتها بين الأطفال والشباب مثل الإدمان، ويساعد على السيطرة على الوزن وبناء العظام والعضلات والمفاصل وعلاج ألم الظهر والرقبة وآلام المفاصل، وتحسين زيادة التوازن وقوة التحمل والتحكم الحركي والوظيفة الإدراكية، وأن فوائد النشاط البدني لا تقتصر على الوقاية من الأمراض لكنها أيضاً لها دور علاجي فعال فتساعد في التحكم في بعض الإضطرابات النفسية مثل الاكتئاب ومواجهة داء الزهيمر، ويهيئ الفرصة للحفاظ على الارتباط بالمجتمع والحد من الإحساس بالوحدة والعزلة الاجتماعية، وزيادة الثقة بالنفس والاعتماد على الذات ,,!!
و المشي يمثل النشاط و الحركة و عكس الحركة الخمول و الكسل الذي يعتبره العلماء من أمراض هذا العصر المنتشرة على مستوى عالمي و بمعدلات كبيرة حيث أوضحت دراسة قامت عليها منظمة الصحة العالمية "أن التقديرات العامة تشير إلى أن أكثر من 60% من سكان العالم لا يمارسون النشاط البدني الكافي الذي يعود عليهم بالفوائد الصحية ولاسيما الفتيات والنساء" !
المشي في موروثنا الإسلامي ,,
و بالنظر إلى موروثنا الإسلامي , نجد كثير من الأحاديث و الآثار التي تحث على المشي و الحركة و النشاط و الحذر من الكسل و الخمول فرسولنا صلى الله عليه و سلم كان يستعيذ من الكسل كثيراً كما ورد ذلك في أحاديث كثيرة , و بيّن صلى الله عليه و سلم أن المؤمن القوي خيرٌ و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف , لذا كان مشيه صلى الله عليه و سلم سريعا حتى أن الصحابه رغم قوتهم يجهدون و هم برفقته كما وصف أبوهريرة رضي الله عنه مشية رسول الله حيث قال " ما رأيت أحداً أسرع من رسول الله في مشيته، فكأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وهو غير مكترث" , و يقول علي رضي الله عنه واصفاً مشي رسول الله " إذا مشى تقلّع، كحال المنحط من الصبب", فكان صلوات الله و سلامه عليه أقوى الناس و أسرعهم مشيةً و أنشطهم حركةً , فكان صلى الله عليه و سلم ممارساً لرياضة المشي على أكمل وجه , و لذلك نصح صلى الله عليه و سلم من اشتكى من الخمول و الكسل (بالنسلان) , والنسلان هو المشي بسرعة و نشاط ,و كان صلى الله عليه و سلم يسابق عائشة رضي الله عنها , و بهذا دلالة على مشروعية الرياضة و الحركة للنساء أيضا و حثهن على ذلك ,,
و بالنظر لسير الصحابه رضي الله عنهم أجمعين نجدهم من أحرص الناس على ممارسة المشي و الهرولة و الركض , فكانوا يتسابقون بحضرة رسول الله صلى الله عليه و سلم و منهم عمر رضي الله عنه الذي عرف بقوة بدنه و لياقته و نشاطه , نجده جاداً في مشيته , ذا قامة معتدلة مما أكسبه هيبه تبدو من خَلقه و خُلُقه , و روي عنه أنه ذات يوم رأى شاباً قد كمش بدنه وثوبه نسكاً وتبتلاً، يسير في سوق المدينة مطأطئاً لرأسه ومحنياً قامته، فلكزه عمر بعصاه ، ونهره قائلاً "ارفع رأسك، وأصلح قامتك, لا تمت ديننا أماتك الله" - و هذه رسالة لنا شباب اليوم - , كما روي أن عمر كان يسابق الزبير بن العوام فسبقه الزبير مره ثم سبق عمر الزبير مرة أخرى ,,
المشي في لغة العرب ,,
من المعلوم أنه إذا تعددت المسميات و الألقاب لشيء معين في لغة العرب إنما هو دلالة على أهميته في حياتهم , و المشي عند العرب تعددت مسمياته تبعا لتعدد كيفياته , و ما ذلك إلا لشعورهم بأهمية المشي و تغلل ثقافة المشي في وجدانهم و ممارستهم له كعمل إجباري للتنقل و كرياضة مفيدة لأبدانهم و نفسياتهم , فهناك المشي ، والركض، والعدو، و السعي، و الزوال، والرويد، والنسلان، والدفيف ( المشي الخفيف)، والوهص( المشي شديد الوطء)، والرهو ( المشي السهل المستقيم)، والجدف (الاسراع في المشي مع سرعة تحريك اليدين) والخائل (مشية وئيدة و بخفة كمشية المترصد) , والدالف (مشي مع تقارب الخطى) و الأوب (سرعة تقليب اليدين والرجلين في السير) والبيقر ( المشي بسرعة مع طأطأة الرأس)، والزياف (يمشي في سرعة مع تمايل وكأنه سيستدير)، والحتك (و هو تقارب الخطوات و سرعة رفع الرجل و وضعها)، والهمقى (إذا مشى على جانب مرة وعلى جانب مرة)، والعجرمة (مشي فيه شدة وتقارب الخطو)، والهوينى ( المشي باختيال وتبختر وهي مشية للنساء) والتزالي ( المشي ببطء) والتهادي ( المشي الحسن)، والارتهاك(الضعف في المشي ( و غيرها من المسميات ,,
وختاماً ,,
و بعد هذا العرض المتنوع عن المشي , أتمنى أن يكون الموضوع مفيداً لكل قارئ , و أتمنى أيضاً أن تكون ثقافة المشي جزء من ثقافتنا و ممارساتنا اليومية , رجلاً و نساءاً , و أن تتوفر الميادين المناسبة لذلك مع الحرص على استخدامها لهدف واحد و هو المشي للأجل الصحة البدنية لا لأجل التسكع و (تسحيب الأرجل) و القيام بالممارسات الخاطئة غير الحضارية ,,
تحياتي,,,