|
الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام أبُحآر َقِلمَ عُبُر حرٍف ومقِآل |
للإتصال بالإدارة عند حدوث أي مشكلة أو إبداء رأي
الإهداءات |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
05-14-2006, 07:59 PM | #1 | ||||
|
النملة - لفضيلة الشيخ / ناصر سليمان العمر ( محاضرة مفرغة )
النملة أ. د .ناصر بن سليمان العمر أولاً: مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)( ). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)( ). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)( ). أما بعد : أيها الإخوة الكرام: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أحمد الله -جل وعلا-، وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأسأله أن يوفق لهذا اللقاء، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ثم أشكر الإخوة القائمين على هذا المسجد، وأخص منهم أخي الشيخ عادل الكلباني الذي كان له الفضل بعد الله -جل وعلا- لتهيئة هذا اللقاء وترتيبه فجزاه الله عني وعنكم وعن الإسلام خير الجزاء، ثم أشكركم -أيها الإخوة- لحضوركم رجاء العلم والفائدة، وأسأل الله -جل وعلا- أن يوفقني لتقديم ما تصبون إليه، وما جئتم إليه تسعون، وترجون. الموضوع -يا أحبتي الكرام- عن النملة، ولقد عجبت من عجب كثير منكم، لقد عجبت عندما كثرت الاتصالات، والاستفهامات، والاستفسارات عن هذا الموضوع، وكان أغلبها ينصب على قضية واحدة، كيف يمكن أن تلقى محاضرة عن النملة؟، بل كيف ولماذا تسمى وتضع عنوان لمحاضرة بعنوان النملة؟ قلت: إنني أعجب من عجبكم، ألستم تقرءون كتاب الله -جل وعلا- أليس فيه سورة من سور القرآن بعنوان سورة النمل؟ فما الفرق بين النمل والنملة؟ هذه مفردة، وهذا جمع، بل إن الذي جاء في القرآن جاء بلفظ الإفراد (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ)( ) فهي نملة، ولذلك فأقول: إن تسمية سورة من سور القرآن، بل إنها من السور الطويلة -كما تعلمون- بعنوان النمل له دلالته، ولكن صدق الله العظيم (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)( ) (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)( ) . إذن -أيها الأحبة- هذا الموضوع أرى أنه من الموضوعات المهمة، ولا أبالغ في ذلك، ولقد لفت نظري ما يتعلق بالنملة منذ فترة ليست بالقصيرة، وبدأت أتأمل أحوال هذا المخلوق الصغير، وأقرأ ما كتب فيه، ورجعت إلى كلام المفسرين حول آية سورة النمل، ورجعت إلى كتب علم الأحياء، فكلما قرأت لا ينقضي عجبي من هذا المخلوق العجيب. ولذلك فحديثي ليس مقتصرا هذا اليوم عن ما في سورة النمل أو على ما في سورة النمل، بل إنني سأبدأ به حديثي، وإلا فالموضوع طويل وطويل . وقد تعجبون لو قلت لكم: إنني احترت في الاختصار كيف أتمكن من وقت بين المغرب والعشاء أن أتكلم عن هذا الموضوع، وأن أوفيه حقه؟ لأنني رأيت أن هذا الموضوع قد يحتاج إلى حلقات، وهناك آية أيضا أخرى في القرآن هي عن النمل، ولكنه عن نوع آخر من النمل سأتركه للقسم الأخير من المحاضرة؛ لأنني أتوقع أن فيه مفاجأة لبعضنا، وإن كنا نقرأ القرآن، بل هناك الكثير ممن يحفظ كتاب الله -جل وعلا-. ثانياً: لماذا الحديث عن النملة النملة -أيها الإخوة- نعم هي مخلوق صغير، ولكن سبحان الذي قال (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)( ) وقال -جل وعلا- (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)( ) والنملة -أيها الإخوة -لا أقول: إن للنملة قصة، بل إن للنملة قصصا وعبرا، والله -جل وعلا- عندما ذكر لنا بعض القصص في القرآن قال في أولها أو في آخرها (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً)( ) وقال -جل وعلا- (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى)( ) . موضوع النملة -أيها الإخوة- لماذا اخترت هذا الموضوع؟ اخترته لأنني وصلت إلى حاله سيتضح لكم من خلال الأمثلة، ومن خلال الحقائق أنني أتمنى أن كثيرا من طلاب العلم يصل إلى مستوى النملة، وأرجو أن لا يكون في هذا الكلام مبالغة، بل والله إنها هي الحقيقة، وما جئت في هذا المكان -أيها الإخوة- لأذكر لكم قصص لنبتسم من أجلها، إنما أردت أن أذكر قصصا من أجل العبرة والعظة. أريد يا أخي الكريم، وأنت تستمع إلى هذه الكلمات أريد منك شيئا واحد، أريد منك، وأنا أتحدث عن النوع الأول من النمل، وهو الأساس في كلمتي ومحاضرتي بعد انتهاء المحاضرة أريد منك شيئا واحد -بارك الله فيك- قارن نفسك بهذه النملة، قارن نفسك وإخوانك بمجتمع النمل، وستلحظون إن كنت منصفا، ولا أخالك إلا ذاك فستجد نفسك بعيدا بعيدا عن النملة. ستجد أن النملة قد قطعت أشواطا تتمنى أن تصل إلى حالها في كثير من المجالات، أقول هذا عن تجربة وبيان ورصد لحالة كثير -لا أقول من الناس-، لا، لحالة كثير من طلاب العلم. من هنا، ومن أجل ذلك جئت ألقي هذا الموضوع، وجئت أتحدث عن هذا الموضوع، وجئت أقول: إن الله -جل وعلا- عندما خلق هذا المخلوق الذي أرى، وأتوقع أن الكثير منا لم يفكر فيه يوما من الأيام أن فيه من العجائب، والدروس ما فيه من العبرة، وفيه من العظة لكن هل نعترف؟ هل نتعظ؟ هل نستفيد؟ ربما وقر في نفوس كثير منا أن هذه النملة حشرة من الحشرات ، بل ربما أن أكثر ما يشغل بال كثير منا كيف نتخلص من النملة، وكيف نقضي على النملة إذا دخلت إلى بيوتنا، ولكنه لم ينظر إلى الأوجه الحسنة في هذه النملة العجيبة. ثالثاً: دروس من موقف النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام لنبدأ بما في كتاب الله -جل وعلا- أيها الأحبة- ، ولنقف مع قوله -تعالى- في سورة النمل (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)( ) هذه الآية لو وقفت معها في هذا اليوم في محاضرة مستقلة لما كفيتها، ولكن مراعاة للموضوع، ولأن في الموضوع -كما قلت لكم- وقفات أخرى فسأشير إشارات والحر تكفيه الإشارة، وأنتم أحرار، وسأكتفي من القلادة ما أحاط بالعنق (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ)( ) إذًا هو واد النمل . لماذا سمي بواد النمل ؟ لأن أغلب ما فيه هو من النمل؛ لأن أغلب من يسكن هذا الوادي هم من النمل. عندما نأتي إلى بعض مناطقنا، ويقال منطقة بني عمرو، أو منطقة بني شهر، ماذا يعني هذا؟ ماذا يدل عليه هذا؟ هل رأيتم هذا الاسم في شمال المملكة أو في شرقها؟ إنما يدل عَلى أن أغلب من يسكن هذا المنطقة هم من بني شهر أو من بني عمرو أو من غيرهم من القبائل التي تعرفون. إذًا أغلب من يسكن هذا الوادي هي النمل ماذا يدل عليه ذلك؟ يدل على كثرتها، حتى اعتبرت أكثر من يسكن هذا الوادي فسمى بوادي النمل. ليس مهما أن نتحدث بما أشار إليه المفسرون أين هو هذا الوادي؟، وهل هو بالطائف أو بغيره؟ لا يهمنا هذا كثيرا الذي يهمنا أنه وادي ممتلئ بالنمل. ماذا حدث؟ عندما جاء سليمان -عليه السلام-، ومعه جنوده، هنا تأتي القضية (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)( ) الله أكبر يا أحبتي الكرام، الله أكبر، نملة عندما أحست بالخطر الداهم على قومها وبني جنسها أعلنت صائحة، ومنذرة لبني قومها: إن الخطر قادم، فهيا أنقذوا أنفسكم (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)( ) . ما أروع هذه النملة، وما أعجب هذه النملة إنها حملت هم أمتها، إنها أدركت خطورة مسئوليتها، إنها عندما أحست بقدوم الخطر قبل وصوله قامت صائحة معلنة لبني قومها: إن الخطر قادم فهلموا أنقذوا أنفسكم، عجيب أمر هذه النملة، عجيب أمر هذه النملة -أيها الإخوة-، انظروا هل هربت النملة بنفسها عندما أحست بالخطر؟ هل هذه النملة قالت: أنا ماذا أفعل؟ أنا نملة وحيدة، ماذا أفعل بهذا الجيش القادم، وهذا أمة النمل أمة كثيرة، وأنا نملة وحيدة ماذا أفعل؟ . بالله عليكم -يا أحبتي الكرام- أليس الخطر الذي يهدد أمتنا أعظم من الخطر الذي هدد نمل سليمان ؟ كم منا من يحس بإحساس النملة، ويسعى منقذا لأمته، ومتلهفا على حياة أمته ؟ من منا يقوم وينام، وهو يحمل هم حال الأمة التي يحدق بها الخطر يمنة ويسرة ؟ والله إنه ليس بخطر واحد، ولكنها أخطار (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)( ) من منا يعيش -أسألكم بالله- يعيش هم هذه الأمة، وهم الأخطار المحدقة بها؟ لنكن صرحاء مع أنفسنا، لنكن صادقين مع أنفسنا، هل نحن نحمل هم هذه الأمة، وما يكاد لها، وما يحاق، وما يتآمر عليها؟ أو أننا نحمل هم الوظيفة، وهم البيت، وهم الزوجة، وهموم أخرى قد يأتي هم الأمة في وسطها أو في مؤخرتها، وقليل أولئك الذين يضعون هم هذه الأمة في مقدمة همومهم. ثم انظروا أحبائي الكرام -مرة أخرى- (قَالَتْ نَمْلَةٌ)( ) نملة هنا نكرة، نكرة يا أخوان، لم يقل الله -جل وعلا- وقالت النملة، إنما قال (قَالَتْ نَمْلَةٌ)( ) إذًا هي نكرة، هل هي الملكة أو ليست الملكة أو غير الملكة؟ المهم إنها وردت في القرآن منكرة، فهى نملة من هذا الوادي الطويل العريض، ومع ذلك لم تحقر نفسها، أما نحن فنتساءل ماذا فعل الشيخ فلان؟ ماذا فعل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز؟ أسأل الله له الشفاء، وطول العمر، وأن يبارك لنا في عمره، وآخرون يسألون ماذا فعلت هيئة كبار العلماء؟ وآخرون يسألون ماذا فعلت اللجنة الخماسية؟، ورابع يسأل ماذا فعل فلان، وفلان؟ أسألك أنت يا أخي الكريم أنت ماذا فعلت؟ نملة نكرة -يا أخي الكريم- أنقذت أمة، نملة حملت هم أمة فأنقذتها، وهى نكرة لا شأن لها، وأنقذ الله -جل وعلا- هذا الوادي على يديها. إذًا يا أخي الكريم والله من السهل جدا أن تحمل غيرك المسئولية فيما يحاق بالأمة، ولكن كن صريحا، وكن جريئا أنت ماذا تفعل؟ أنت ماذا قدمت؟ أنت ماذا فعلت؟ نملة نكرة، وأنت ألا تستطيع يا أخي الكريم أن تفعل مع أمتك ما فعلته هذه النملة مع بني قومها، ثم نأتي للنقطة الأخيرة مع هذه الوقفة؛ لأنني قلت لكم: سأختصر، وما أعجبها من وقفة (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)( ) . الله أكبر هل جلست تفسر في النيات ؟ هل قالت: إن سليمان قد احتقركم، إنكم جند ضعيف فلا يبالي فيكم ؟ هل جلست أو جلس قومها يتساءلون ؟، بل إنها لو سكتت لفعلت خيرا، فكيف وقد برأت سليمان -عليه السلام- وجنوده، قالت (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)( ) أنا لا أتهمهم في نياتهم، مع أنهم سيحطمونكم، سيقتلونكم، سيقضون عليكم، لكن (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)( ) الله أكبر انظروا إلى حالنا، وإلى واقعنا. رحمه الله الإمام محمد بن عبد الوهاب ذكر من مسائل الجاهلية المسألة الثانية بعد المائة، قال: إن من مسائل الجاهلية اتهام أتباع الأنبياء بطلب الدنيا، نعم تفسير النيات إذا رأوا داعية قالوا: هذا يريد الدنيا، هذا يريد المناصب، هذا يريد السلطة، هذا يريد ويريد، وأنتم تعلمون مدلول كلمة الأصوليين ماذا تعنى؟ أي أنهم أصوليون، ويا ليت الأمر اقتصر على العلمانيين بهذا التسمية، ولكن هناك من طلاب العلم ومن المنتسبين للعلم، وممن نظن فيهم الخير، والله انشغلوا عن أنفسهم بقلوب إخوانهم؛ هذا الداعية يريد كذا، وهذا الداعية يريد كذا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لحبه لزيد " هلا شققت عن قلبه " ( ) يقول لحبه وابن حبه أسامة بن زيد " هلا شققت عن قلبه " ( ) عندما في قصة معروفة. لم نكلف -أيها الأحبة- أن نشق عن قلوب بعضنا، هذه النملة انتبهت إلى هذه القضية، فلم تدع مجالا لبني قومها عندما قالت (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ)( ) لأنها لو قالت هذه الكلمة وسكتت قد لا يسكت قومها، قد يقول قائل: لماذا يريد سليمان؟، وماذا يريد سليمان؟، ولماذا جاء مع هذا الوادي؟ ألم يجد غير هذا الوادي؟، وتبدأ التفسيرات، وتبدأ تفسير النيات فأغلقت الباب، وقالت (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)( ) دعوكم من تفسير النيات، دعوكم من الاشتغال في قلوب الخلق إذ كانت تقول هذا القول، والقوم مقبلون على تحطيمهم في حقيقتهم، كيف تكون حال من يشتغل بقلوب إخوانه، وهم قائمون لإنقاذهم؟ هل قال هذا النمل: أنت تريدين السلطة، أنت تريدين العلو، أنت تريدين الشهرة، لا، أبدا استجاب النمل، ودخل في مساكنها، ونجت بدعوة هذه النملة المسلوبة الصغيرة. إنها قصص وعبر -أيها الإخوة- في هذا الموقف، وقد اختصرت اختصارا -كما قلت لكم- ونواصل مع أمور عدة مع هذه النملة . رابعاً: من صفات النمل الصبر والجلد النملة -أيها الأخوة- من صفاتها الصبر والجلد ، الحقيقة قضية النملة -أيها الأحبة- غريبة في جديتها وصبرها، وأقول هذا وأوجه هذه الكلمة لطلاب العلم بصفة خاصة ، ولإخواني بصفة عامة، تمنيت أن الواحد منا يصل في جلده وصبره وتحمله في طلب العلم، وفي الدعوة إلى الله إلى النملة. خذوا الأمثلة: عند بناء البيوت بالنسبة للنمل، هذه القضية -أيها الإخوة- في صبرها وجلدها عندها صبر عجيب حتى إن البيت -ثبت بالدارسات العلمية- أن البيت من بيوت النمل يسقط فتعاود فورا بناءه مرة أخرى، ثم يسقط فتعاود بناء مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى يستقيم البيت. من صبر النملة وجديتها أمر لحظته بنفسي، وأذكر لكم فيه قصة بعد قليل، تأملوا حياة النملة عندما تريد أن تصعد إلى جدار أو على جدار ماذا تفعل؟ قد يكون الجدار أملس فتصعد وتسقط، هل إذا صعدت وسقطت تنصرف؟ أبدا تصعد وتسقط، وتصعد وتسقط، وتحاول من هنا، وتحاول من هنا، وتحاول من هنا، حتى -أحيانا- يا أحبتي الكرام- تكرر هذا أكثر من عشر مرات حتى تصعد. الواحد منا قد يبدأ في مشروع، أو في عمل، أو في طلب العلم مرة ومرتين وثلاثا، ثم ينسحب ، وأحسننا من يصل إلى ثلاث مرات في محاولاته، أما النملة فعجيبة، أبدا. خذوا هذه القصة الحقيقية ذكرها المؤرخون: دخل تيمورلنك القائد المعروف معركة من المعارك، وعندما دخل المعركة هو وجنوده، وبدأت المعركة هزموا، وعندما هزموا تفرقوا، فما كان من تيمورلنك هذا القائد إلا أن هام على وجهه حزينا كثيرا كئيبا لهذه الهزيمة النكراء، أين ذهب؟ هل ذهب إلى بلده؟ هل ذهب إلى مملكته؟ لا، ذهب إلى جبل إلى مغارة، وجلس فيها يتأمل في الحالة التي وصل إليها وجيشه قد تفرق، وبعضهم ذهب إلى بلده فبينما هو مستغرق في تفكيره إذا نملة تريد أن تصعد على صفاة في الجبل حجرة ملساء، حجر أملس، فسقطت، فحاولت المرة الثانية وسقطت، والثالثة وسقطت، فشدته، وانقطع تفكيره، وبدأ يرقب هذا المخلوق الصغير، تابعها تيمورلنك في المرة السابعة عشرة صعدت، في المحاولة السابعة عشرة صعدت، فقال: والله عجيب، نملة تكرر المحاولة قرابة عشرين مرة، وأنا لأول مرة أنهزم وجيشي، ما أضعفنا، وما أحقرنا، فنزل من المغارة، وقد صمم على أن يجمع فلول جيشه، وأن يدخل المعركة، وأن لا ينهزم ما دام فيهم حي، والنملة تعيش في رأسه، فجمع قومه، وتعاهدوا على دخول المعركة، وأن لا ينهزموا ما دام فيهم حي فدخلوا المعركة بهذه النية، وبهذا التصميم فانتصروا. أرأيتم يا أخي الكريم؟ إذا ضعفت، إذا تكاسلت، تذكر النملة، تذكر محاولات النملة، تذكر إصرار النملة، ويلحق بهذا -أيها الأحبة- مع الصبر والجلد موضوع قريب منه، ولكنني أفردته لسبب آخر، وهو الجدية؛ النملة أجمع علماء الأحياء على أن النملة من أجد المخلوقات من ناحية الجدية، جادة بمعنى الكلمة، ودعوني أتساءل وهذه بمراقباتي الشخصية وملاحظاتي الشخصية هل رأيتم يوما من الأيام نملة نائمة في الطريق؟ هل رأيتم يوما من الأيام نملة واقفة تتفرج ؟ أبدا ما ترى النملة إلا جادة في مسيرتها وجادة في حركاتها. وأقرب مثال كنت أتابعه سنوات قديمة، وليس والله بحديث هذا المثال، سنوات بعيدة من أشد ما لفت نظري في النملة عند بناء البيوت، النمل عند بناء البيوت -وهذا سأتطرق له بعد قليل- معروف بتعاونه، لكن الغريب فيه الجدية منقطعة النظير والنملة تحضر البيت، وتأتى مسرعة، وتضع ما في فمها من حبة الرمل، ثم تعود إلى البيت، الذي لاحظته على هذا الأمر السرعة المتناهية، واسمحوا لي لو قلت لكم: ما شبهت هذا الأمر إلا بنوع من العمال خاصة إذا كان العمل بطوعه، أبدا، جد ونشاط وعمل غريب جدا، ما يتوقف النمل والله ما أذكر إني رأيت منها على كثرة ملاحظتي واحدة واقفة، أو واحدة تمشي شوية، وتقف شوية، أبدا، ثم تلاحظ بعض لحظات فإذا الرمل بهذا الشكل قد أخرجته هذه النملة، مع أنها لا تستطيع أن تحمل أكثر من حبة صغيرة، جدية عجيبة جدا. النملة انظروا من جديتها وجلدها وصبرها، وقد رأيتم ذلك، وهي تحمل حبة، النملة ثبت في دراسات علم الأحياء أنها تحمل أكثر من وزنها، أقول: أكثر من عشرات مرات، الملاحظة الآن إنها حتى تحمل حبة تقطع مسافة بعيدة جدا، مسافة -أيها الإخوة- غريبة ومتعبة حتى الواحد منا إذا كان ممن يتابع هذه القضية، ويرصد هذه الأحوال إذا رأى هذه النملة، ومعها هذه الحبة، وبخاصة إذا كانت وحدها، وتسير يأتيه شعور عاطفي يتمنى لو يعلم أين بيتها ليحملها هي وحبتها، ويضعها عند بيتها، لكن لا، وتمشي ومسافة قد تجلس يوما كاملا من أجل أن تقطع مسافة بسيطة جدا لا تتوقف ولا تتلكأ، ولا تتردد، هذه حقيقة راقبوها. هذه جدية -يا إخوان- نحتاج إليها، وبخاصة في موضوع طلب العلم؛ لأننا نشكو الآن من حالة الضعف في طلب العلم، الفتور في طلب العلم، كنت اليوم مع طلاب أقارن بين وضع علمائنا ومشايخنا في طلبهم للعلم، وبين واقعنا الآن. وأعطيكم هذا المثال: قرأت مقابلة مع شيخنا العلامة الشيخ عبد الله بن جبرين فقال له السائل: يا سماحة الشيخ كيف كنتم تطلبون العلم على المشايخ؟ قال: كنا نجلس بعد الفجر، ونطلب العلم حتى طلوع الشمس نقرأ في كتاب كذا وكذا، ثم نواصل حتى الضحى، ومن الضحى حتى الظهر. ثم أنا أذكر لكم مثالا واحدا موجود بيننا، يعيش بيننا -بارك الله في عمره - قال الشيخ: ثم نعود بعد العصر لما قال الشيخ بعد العصر قلت: الحمد لله خلى لنا الشيخ الظهر حجة لنا من المتكاسلين أنه أغفل الظهر ما نطلب العلم فيه، ثم نعود بعد العصر، ونبدأ نقرأ في الكتب حتى المغرب، ثم نبدأ بعد المغرب حتى العشاء، ثم سكت الشيخ، قلت: الحمد الله، وترك لنا بعد العشاء. فسأله السائل قال: يا شيخ إذا كنتم تطلبون العلم على المشايخ من صلاة الفجر حتى الظهر، ومن صلاة العصر حتى العشاء متى تحفظون المتون؟ قال: نحفظ المتون بعد الظهر، وبعد العشاء، قلت: ما ترك الشيخ لنا شيئا. إذن يعمل بجد واجتهاد من صلاة الفجر إلى الساعة التاسعة والعاشرة ليلا في طلب العلم إذ جمعتنا يا جرير المجامع أولئـك آبائي فجئني بمثلهم نعم -أيها الأخ -فهذه النملة لا تتوقف؛ دأب وصبر وتحمل وجد واجتهاد منقطع النظير، يقول أحد علماء الأحياء -الذين كتبوا عن النملة-: إن النمل مجتمع مثالي، مجتمع نشيط، عامل لا مكان فيه لكسول أو خامل، أو أي فرد متواكل . خامساً: من صفات النمل الصدق مجتمع النمل -يا أحبتي الكرام- مجتمع الصدق. من صفات النمل الصدق لا مكانة للكذاب في مجتمع النمل، ما رأيكم؟ لا عندهم كذب أبيض، ولا أسود، ولا أحمر، حتى التورية غير موجودة في عالم النمل، واسمعوا هذه القصة الذي أحدثكم، بل يحدثكم فيها العلّامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "مفتاح دار السعادة" قصة عجيبة عن النمل. يقول: جاء رجل ووضع قطعة من الحلوى سكر أو حلوى -أنا بعيد عن القصة لم أراجعها هذه الأيام - يقول: وضع قطعة من الحلوة فجاءت نملة، فلما جاءت -والنمل أيضا بالمناسبة ليس مجتمعا أنانيا، بل إنه مجتمع متعاون -كما سيأتي إن شاء الله-، لكن هذا في ثنايا القصة - فقامت النملة وأرسلت إشارات، والمعروف أنها ترسل إشارات عن طريق مركز الاستشعار القرنين، الشعرتين الموجودتين في رأسها هذا يسمى مركز الاستشعار كما قرر علم الأحياء، فأرسلت إشارة نقول: لاسلكي، فما علم هذا الذي وضع هذا الذي وضع قطعة الحلوى إلا وقد أقبلت النمل، لما أقبلت النمل قام صاحبنا -كما يذكر ابن القيم -رحمه الله- فرفع قطعة الحلوى، فجاءت النمل، وما وجدت قطعة الحلوى. تأملوا في هذه القصة؛ لأن عليها تعليق فيقول: كأنها نظرتها باستغراب، ثم رجعت، وهذه النملة واقفة ليش واقفة؟ محتارة المسكينة، الآن صارت متهمة بالكذب، يقول: لما انصرفت النمل، وبقيت هذه النملة أنزل قطعة الحلوى مرة ثانية، لما أنزلها -أيضا- فرحت، وأرسلت الإشارة فجاءت النمل، فلما أقبلت رفع القطعة، لما رفع القطعة، وجاءت النمل، ودارت ولكنها ووقفت يقول: أكثر من وقفتها الأولى كأنها تستنكر، وتستغرب ، ثم انصرفت، لاحظوا المرة الثانية، وبقيت هذه النملة يبدو أنها في صدمة فقام صاحبنا ووضع الحلوى فأرسلت الرسالة الثالثة، فلما أقبلت قام صاحبنا -هداه الله- ورفع قطعة الحلوى. وهنا وقعت الكارثة: لما جاءت النمل، ولم تجد هذه القطعة ماذا فعلن؟ الآن كمل الثلاث مرات، ومن أعذر فقد أنذر، ومن أنذر فقد أعذر، فمسكن هذه النملة، وقطعنها إربا . كذب مرة أولى قلنا: لعله غلط، مرة ثانية قلنا: لعله وهم، المرة الثالثة، وهي ما كذبت المسكينة، ما كذبت، ولكن في ذلك عبرة فقطعنها اجتمعن عليها التي سحبت يدا ، والتي سحبت رجلا، والتي سحبت الرأس، والتي سحبت الذنب حتى قطعنها إربا، كذب. ما رأيكم لو طبق هذا العمل على المجتمع الإنساني ماذا تتصورون؟ لا، دعونا من المجتمع الإنساني؛ لأن فيه البر والفاجر، لنطبق كل واحد منا على نفسه -كما قلت لكم- اسأل نفسك هل يمر عليك أسبوع، يمر أسبوعان، وأنت لم توري تورية فيها نظر، لا أقصد التورية الشرعية، لم تكذب كذبة فيها وفيها؟. والله إن كنت كذلك فأنني أهنئك والله أهنئك، ولكننا نتساهل في هذا الباب تساهلا عظيما، ونتوسع في هذا الباب، إذن مجتمع النمل يا إخوان مجتمع لا مجال للكذب فيها. سادساً: من صفات النمل التعاون وعدم الأنانية الصفة من صفات النمل -أيها الإخوة - من صفات النملة: التعاون: أولا: من مظاهر التعاون والاجتماع عند النمل -أيها الأخوة- إذا رأيتم عشر من النمل يمشون، أو عشرين هل ترون كل واحدة تمشى وحدها؟، أو أن النملة تخط خطا واحدا؟ أبدا، النمل يخط خطا واحدا، قد تسير في مكان منبثق، ومع ذلك لا تمشي كل واحدة وحـدها إنما تجد عشرين، ثلاثين، أربعين، مائة، مائتين مع بعض قد خطت خطا واحدا، هذا صورة من صور التآلف والاجتماع. وهذا مظهر من مظاهر التعاون. أيضا ثبت أنه إذا مرضت نملة فإن النمل تتعاون على حملها، والذهاب بها إلى البيت ومعالجتها. أيضا من صور التعاون، وعدم الأنانية: ألستم ترون أن أغلب النمل عندما تحمل طعاما تحمله مجتمعة؟ بل أعجب من ذلك: حفر البيوت، أنا ما رأيت يوما من الأيام -على كثرة ملاحظتي لهذه القضية- أن نملة وحدها تبني بيتها وحدها، تجد عشرات النمل -إن لم يكن مئات النمل- تتعاون في حفر البيت وبنائه. ونقل الحبوب كل هذه -أيها الأخوة- تدل على تعاون النمل أنه مجتمع متعاون، يقول الله -جل وعلا- (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)( ) . سابعاً: من صفات النمل التضحية من غرائب النمل -أيها الإخوة-: التضحية؛ النمل عنده مجتمع مضحٍ، كيف مضحٍ؟ كما قلت لكم لا مكان للأنانية فيه؛ الفرد يضحي من أجل المجموعة، وهذا ثبت في دراسات علمية سأذكر لكم مثلا أو مثلين: من أسهل الأمور: أن تقدم النملة نفسها فداء لبني جنسها، وتضحية لبني جنسها؛ مما ثبت في الدراسات العلمية أن النمل إذا جاءت مجموعة من النمل، وواجهت واديا -أي عائقا مائيا- لا نقصد واديا كوادي النيل أو وادي الفرات، ولكن نقصد عائقا صغيرا ماذا تفعل النمل؟ هناك طريقتان لعبور هذا الماء: طريقة من الطرق، وهى عجيبة وغريبة: تتشابك النملة؛ كل نملة تشتبك مع نملة أخرى فتكون جسرا حتى تعمل جسرا فوق هذا الماء، نملة متصلة بنملة حتى تصل إلى الطرف الثاني، ثم تبدأ بقية النمل تمشي من فوق هذا الجسر حتى تنتهي النمل، فإذا انتهت جميع النمل جاءت النملة التي في الطرف الآخر، ومشت والجسر باق مستمر حتى تنتهي النمل، أعطاها الله قوة، حتى تنتهي جميع النمل وتعبر. إذا كان الوادي -لاحظوا- أكبر من أن تعمل جسرا عليه، يكون متسعا، لها طريقة غريبة: تأتى مجموعة من النمل، وتقتحم الماء بقوة وبسرعة، وتتشابك، ثم تأتى بقية النمل ، وتجري عليها فوق الماء مع أنه يغرق عدد كبير من هذه النمل التي نزلت الماء المرة الأولى من أجل إنقاذ بقية النمل. سبحان الله! سبحان الله يا إخوان، هذه التضحية، وهذه الفدائية، وهذا التقدم ، والله إنه غريب ما أحوجنا إلى هذه الأمثلة، ولكن (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)( ) . ثامناً: من صفات النمل الترتيب وعدم الفوضى مجتمع النمل -أيها الإخوة- من صفاته العجيبة -التي ثبتت ثباتا علميا، لا نقاش فيها-: الترتيب، وعدم الفوضى: تستغربون لو قلت لكم: إن هذا المخلوق الصغير لا مكان للفوضى في حياته، أقول لكم: إن هذه النملة التي تنظرها نظرة بسيطة يسيرة مجتمع منظم، مجتمع مرتب، مجتمع دقيق الترتيب. أولا: يعمل من الصباح حتى المساء، ويدخل في المساء وينام، إلا إن خرج لسبب أو لآخر. ثانيا: من دقة ترتيبه العجيب أن بيوت النمل مقسمة تقسيم: غرفة مستودع، وغرفة للنوم، وغرفة للضيوف، وغرفة للمن؛ وهذه حشرة يأخذها النمل معه. بيوت النمل مقسمة تقسيما، بينما لو نظرنا لبيوت بعضنا رأينا الفوضى فيها، ربما تجد المكتبة موجودة في المطبخ، والكتب منثورة في أركان البيت، وأعمال الإنسان فوضى في فوضى، ولكن بيت النمل مرتب ترتيبا عجيبا قد نستغربه. من ترتيب النمل، ومن دقة النمل في ترتيبه -أيها الإخوة- : بعض أنواع النمل تبني عش، عُش على الأرض؛ هذا العش يكون طويل له فتحة من الأمام، ومغلق من الخلف، العجيب أن هذا العش دائما طرفه المغلق إلى الشرق حتى وصل إلى أن بعض المسافرين في البرازيل وغير البرازيل، ويكثر فيها النمل تعرف اتجاه الشرق إذا رأت عش النمل، فإذا رأت عش النمل عرفت أين الشرق من الغرب. فالذي جهة الفتحة هو جهة الغرب.، والذي جهة المغلق هو جهة الشرق، مضطرب لا يختلف أبدا، بوصلة يا إخواة، أرأيتم هذه الدقة في بناء بيته. تاسعاً: من صفات النمل عدم تعدي أي صنف من أصناف النمل الأسود على غيره أيضا أتعلمون أن النمل على أربعة أقسام: الملكة والعساكر والشغالات والوصيفات؛ الملكة لها مهمة، وهى وضع البيض، وإدارة المملكة. الوصيفات مهمتها حماية المملكة، وتنظيف المملكة، وتبليغ أوامرها إلى بقية جنود النمل. العساكر مهمتها حماية النمل، وبيوت النمل . الشغالات هي التي نراها دائما بخارجة، هذه التي تسمى الشغالات حتى النمل عنده شغالات لكن غير الشغالات الموجودة عندنا. نعم شغالات مرتبة، شغالات ليس لها مخالفة شرعية، شغالات على الوجه الصحيح يخدم بعضها بعضا دون تمييز أو عنصرية. أربعة أنواع. العجيب أنه ما في نوع من أنواع النمل الأربعة: الملكة، الوصيفات، العساكر، الشغالات تتعدى على عمل غيرها إلا عند الحاجة؛ تصدر الملكة أمرا فتجتمع الشغالات مع الوصيفات مع العساكر والشغالات، وتقف إذا داهمها خطر لا تستطيع العساكر أن تقوم به وحدها فتستنجد بالبقية. هذا تفعله متى؟ عند مداهمة الخطر لها، وعند أيضا عندما تسقط بيوتها، فإنها تجتمع بسرعة لإقامة البيت، ولذلك خلال دقائق يعود بيت النمل كما كان، هذا يدل -أيها الإخوة- على التنظيم -كما قلت لكم- والدقة في ذلك. من عجائب النمل -أيها الإخوة- : أن النمل من دقته وترتيبه مسألة ما كنت والله أعرفها مع أنني كنت أتابع هذا الأمر من سنوات إلا عندما بدأت أقرأ، فيه نمل يسمى النمل الراعي؛ النمل منها نمل رعاة ماذا ترعى؟ ترعى حيوانا أو حشرة تسمى المن تحملها في الصباح معها، وتذهب بها إلى جذوع الشجر، وتأتى شجرة أو حشرة المن، وتأخذ -تعلمون النوع بعض الأشجار تفرز مادة حلوة- كما تعلمون- فتذهب النملة بحيوان المن تحمله معها، وتضعه على هذا الشجر فتأتى حشرة المن، وترضع هذا السكر أو هذا الحلاء فتأتى النملة بعد ذلك، وترجع بحشرة المن في المساء، وتدخلها إلى غرفة خاصة منها، ثم تبدأ تحلبها، وترضع ما رضعته من الشجرة، هذا يسمى النمل الراعي. وهذا موجود لا يخلو بيت من بيوت النمل، وخاصة في المزارع من نوع من المن تنقلها في الصباح إلى الأشجار، وتأكل ما فيه من سكريات وحلويات ومادة سكرية، وترجعه في المساء، ثم تبدأ في المساء؛ لأن النملة معروفة بحب الحلاء، وهذا ربما أنكم تجربون هذا الأمر، ضع العسل فوق أي مكان، قد تجد الغرفة لا يوجد فيها نمل أبدا، اترك العسل قليلا، فجأة ما تعلم إلا والنمل قد جاء؛ لأنه يحب العسل، والحلوى حبا عجيبا فلذلك فإنه يربي حشرة المن بهذه التربية الدقيقة المنظمة . أعجب من هذا هناك نوع من النمل يسمى النمل الزارع، يعني باختصار هناك نوع من النمل فلاحات فلاحة، نعم تبذر، وهي تبذر نوع من الفطريات -أيها الأخوة- يسمى أرز النمل، وعش الغراب، ويقول سعد عامر: إن النمل مجتمع نموذجي رائع، منظم تنظيما دقيقا، والعمل بين أفراده مقسم تقسيما عجيبا. عاشراً: من صفات النمل وحدة الكلمة والموقف النقطة الثامنة مما توصلت إليه من دراستي لهذا المخلوق العجيب -أيها الإخوة-: وحدة الموقف، وتأملوا معي -أيها الأحباب- وحدة الموقف، ووحدة الكلمة بين مجتمع النمل، وبخاصة أمام الأعداء، وأذكر لكم قصتين -أيها الأخوة- ، وقبل أن أذكر القصتين أذكر لكم حالة تألمت لها: ذهبت إلى دولة عربية دولة صغيرة، نسبة الرافضة فيها 60% نسبة من ينتسبون إلى أهل السنة 40% حتى ممن ينتسب إلى هؤلاء منهم العاصي، ومنهم الفاسق كما في أي مجتمع، نسبة الدعاة من الأربعين بالمائة يا إخوان نسبة والطيبين والدعاة لا يعادلون 10%، وأنا أتكلم بإحصائية، أقول لكم: نسبة الطيبين والدعاة 10% ، منتمين لعدة جماعات وجدت من هؤلاء المنتمين الذين ينتمون لمنهج أهل السنة والجماعة أي نقول: إنهم من السلفيين منقسمين إلى سبعة أقسام. سبعة أقسام لاحظتم كيف النسبة؟ يعني أصلا كم نسبتهم في البلد؟ نسبتهم في البلد لا تصل إلى 1%، ومع ذلك سبعة أقسام كل عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين مجموعة. سبحان الله! سبحان الله! أهكذا يكون؟ أما النمل فلا، مجتمع متعاون عجيب، في البرازيل تصورا -يا إخوان- إذا دهم خطر تنطلق ثلاثون ألف نملة دفعة واحدة فتهجم على أعدائها، حتى إنها تهجم على بعض الحيوانات الكبيرة فتقضي عليها لماذا قضت عليها؟ وحدة الموقف، ووحدة الكلمة، أما إذا كنا متفرقين وإذا افــترقن تكســرت آحـادا تأبى الغصون إذا اجتمعن تكثرا أما المثل الثاني الذي رأيت صورته: وقعت حية طويلة، عدة أمتار طولها، وقعت في طريق النمل، فأحس النمل بالخطر، فاجتمعت النمل -يا إخوان- ورأيت هذه الصورة -أيها الإخوان- ، وصعدت على ظهر الحية وعلى بطنها، ورأيت الحية -يا أحباب-، وقد أخرجت أنيابها، وارتفع رأسها تريد أن تضرب النملة، لكن كيف تضرب النمل؟، والنمل قد بدأ بها من رأسها إلا ذنبها، وما هي إلا لحظات فإذا هذا الثعبان الطويل قد سقط جثة هامدة، ثعبان طوله أكثر من المتر، لكن قامت هذه النمل بوحدة الكلمة، واجتمعت عليه، وقضت عليه. ورأيت حركته بالصورة على كل حال، وهو يخرج أنيابه لكن كيف يضرب النمل؟ كيف يضرب؟ ماذا يفعل؟ وحدة الكلمة -أيها الأخوان-. الأمة الإسلامية -الآن- يقال عنها مليار، مليار!! اليهود كم عددهم؟ ثلاثة ملايين أو أربعة ملايين، الأمة العربية الآن عددهم أكثر من مائة مليون في الدول العربية، ولكن لأننا مختلفون، والقلوب متفرقة قبل الأجسام ترون الحالة التي نحن فيها، فما أحوجنا إلى وحدة الكلمة ، وإلى اجتماع الكلمة في وقت يراهن أعداؤنا على تفرق كلمتنا، ولذلك المثل البريطاني المعروف المثل الإنجليزي المعروف يقول: ( فرق تسد )، هل تريد أن تبقى سيدا؟ نعم فرق، وهذا مثل صحيح (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)( ) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ)( ) . نعم فمجتمع النمل ما فيه مجال للافتراق، ذكر أحد علماء الأحياء قصة يقول: أحيانا يحدث بين النمل بعضها ترى الانتقال من البيت، وبعضها لا ترى الانتقال، ماذا يحدث؟ هل يذهب بعضها، وينتقل ويبقى البعض الآخر؟ لا، يقول: تتفق على قضية فتحسم فإذا حسمت هذه القضية الذي يفوز فيها هو الذي ينتقل، حتى ذكروا من العمليات التي تعملها النمل نوع من المصارعة -كما يقولون- فيجتمع فريقان: الفريق الذي يرى البقاء، والفريق الذي يرى الانتقال فيتصارعان؛ فالفريق الذي يغلب كلمته هو المقدمة فيذهب الجميع أو يبقى الجميع، المقصود أنها حلول عملية . الحادي عشر: من صفات النمل أنه مجتمع نظيف من الدروس -أيها الإخوة - وأنا أحاول أن لا أطيل؛ لأنني على وشك النهاية، وفي الحقيقة لم يبق إلا نقطتان. مما رأيت النمل من دراسات علماء الأحياء أن النمل مجتمع نظيف، ينظف بيته، وثبت أن النملة تنظف نفسها يوميا حتى تصل في بعض مجتمعات النمل إلى أن النملة تنظف نفسها يوميا عشرين مرة، ونحن نقول: الذي ينظف نفسه من الجمعة إلى الجمعة جزاه الله خيرا إلا لسبب مشروع نعم، وقد يجلس الواحد -والله أحيانا- أسبوعين أو ثلاثة لم يستحم، قد يدخل المسجد ويتمنى البعض أنه يخرج من المسجد. صحيح يذكر لي بعض الإخوان يقول لي: إذا دخلت المسجد -أحيانا- أنظر شخص موجود، ولا لأ؟ إذا كان في يمين الصف رحت في طرف الصف، صحيح هذا واقع، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم " نهى أن يأكل الإنسان ثوما أو بصلا، ويأتي إلى المسجد " ( ) فقضية مجتمع النمل مجتمع نظيف حفظك الله. فإذا استثقلت أن تأخذ حماما أو تتنظف في الأسبوع مرة فتذكر النملة. الثاني عشر: من صفات النمل أنه مجتمع مسبح وأخيرا مجتمع النمل مجتمع يسبح، مجتمع مسبح كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قرصت نبيا من الأنبياء نملة، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح، فهلا نملة واحدة " ( ) . الله أكبر عندما هذا النبي -عليه السلام- ، وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، عندما قرصته النملة أحرق قرية النمل فعاتبه الله -جل وعلا-، وقال " أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح فهلا نملة واحدة " ( ) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)( ) . أقول هذا لماذا يا أحبابي الكرام؟ ذكرت في مناسبة من المناسبات -بناء على الأدلة الكثيرة في الكتاب والسنة على تسبيح جميع المخلوقات لله -جل وعلا- (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ)( ) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)( ) وهذه النمل تسبح، أما أقل المخلوقات تسبيح هما الإنس والجن، تريدون المثال العلمي. انظر حالك أنت أنت، وأحسبك والله حسيبك أنك من أفضل الناس ما جئت لهذه المحاضرة إلا أن فيك الخير، وفيك الصلاح ، وفيك الدين انظر لنفسك؟ كم تسبح اليوم أجودنا، وأحسننا إلا من وفقه الله من يسبح بعد الصلاة التسبيح الشرعي، ويقرأ أوراد الصباح والمساء، وكثير منا من يضيع عليه بعد الصلاة، قد لا يتم أوراد الصباح والمساء، وقد لا يتم تسبيح ما بعد الصلاة، أما أن يكون الواحد منا كما كان السلف الواحد منهم يسبح في اليوم إلى عشرين ألف تسبيحة. أدركت رجلا عاش معنا منذ سنوات في الرياض، وقد توفي -رحمه الله - منذ سنوات يا إخوان تجاوز عمره المائة ، وقد متعه الله بجميع قواه: البصر، السمع، العقل أتعلمون مما رأيت من أسباب ذلك عندما اهتممت في هذه القضية، وقد عشنا معه سنوات ما السر في ذلك؟ وجدت أن من توفيق الله له أمر رأيته، وأمر علمته عنه؛ أما الأمر الذي علمته عنه فأولاده حفظهم الله فيهم خير، ويتحرون الحلال في رزقهم، ومع ذلك لا يأكل من طعامهم إلا قليلا، يأكل من كسب مال له في قريته، هذا وأولاده من الصالحين، ولا أزكيهم على الله فهو يتحرى لقمة الحلال. السبب الثاني، وهو الشاهد هنا؛ فقد رأيناه -يا أخوان- يسبح في اليوم -كما ذكر لنا أحد مشايخنا- أنه يسبح في اليوم قرابة خمس عشرة ألف تسبيحة، وتهليلة، وتحميدة، والله رأيناه -يا إخوان- نسلم عليه ويسبح، رأيناه نائما -يا إخوان- في المسجد، ويسبح، وهو نائم، كرامة من الله -جل وعلا- خمسة عشر ألف تسبيحة، كم تسبح يا أخي الكريم؟ أما مجتمع النمل فهو مجتمع مسبح " أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح " ( ) فهو مجتمع مسبح لله -جل وعلا- . الثالث عشر: النوع الثاني النمل الأبيض "الأرضة" تشابه النمل الأبيض مع المنافقين والعلمانيين أيها الأحبة: بعد ذلك بقيت نقطة، وهي القسم الأخير في هذه المحاضرة في موضوع النمل، النوع الثاني من النمل؛ كما أن البشر أنواع فالنمل أنواع: النوع الثاني من النمل هو ما يسمى بالنمل الأبيض، وهو ليس بأبيض، نعم لونه أبيض، هذه النملة يا إخوان هي التي تسمى الأرضة؛ الصفات التي ذكرت لكم سابقا عشر صفات هي في النمل الذي يسمى النمل الأحمر أو الأسود، لكنه هو النمل أفضل أنواع النمل، هو النمل الصادق، النمل المتعاون، النمل المسبح، النمل الصابر، النمل المجاهد، النمل الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر في بني قومه. لكن فيه نوع آخر هو النمل الأبيض أو (الأرضة) تطلق في مجتمعنا الأرضة، هذه وردت في القرآن الكريم. العجيب في هذه النملة -يا إخوان - أنها لها صنف عجيب جدا في مجتمعنا، وهم صنف ونوع المنافقين والعلمانيين، ووجدت أنها تشترك ، وأن العلمانيين والمنافقين يشتركون مع النمل الأبيض في صفات كثيرة: أولا: النمل اسمه النمل الأبيض ظاهره الصلاح، والمنافقون يظهرون الإيمان (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)( ) فشكلها بيضاء، لكن ما هي حقيقتها؟ النمل الأبيض -يا إخوان- لا يعمل إلا في السر، والعلمانيون يعملون في السر، النمل الأبيض من حرصه على السرية يغيص في الأرض إلى 45 مترا، حتى يبني بيوته، بينما النمل الأسود لا يغيص إلا سنتيات لا تتعدى 50 سم، انظروا الفرق؛ لأن المجتمع المسلم والمجتمع الطيب يعمل في الوضوح، أما مجتمع النمل الأبيض الأرضة فإنه يغيص في الأرض إلى 45 مترا أشد سرية وغموضا ليكون في منأى في خططه وأساليبه، وهكذا يفعل العلمانيون، ويفعل المنافقون. المجتمع -أيها الإخوة- مجتمع النمل -الأرضة- مجتمع مفسد، وأقرأ عليكم بعض أوجه إفساده من أحد كتب علم الإحياء يقول -وآمل أن تتأملوا معي هذه الأمثلة بدقة-: "ولقد تنبهت كثير من الدول في السنوات الأخيرة إلى خطورة هذه الآفة، وأقيمت مراكز متخصصة في كثير منها في فرنسا، وألمانيا الغربية، والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها من الدول من أجل القضاء على هذه النملة"، إلى أن قال: "ولقد فطن المجتمعون في ندوة من الندوات التي نظمتها هيئة الحصر الحيواني في الهند بالتعاون مع هيئة اليونيسكو الدولية، والتي عقدت بمدينة نيودلهي عام 1960 إلى هذه الصعوبات، وكان من بين قراراتها: دعوة هيئة اليونيسكو إلى تبني فكرة إقامة وكالة دولية لمحاربة النمل الأبيض". ويقول: "ولقد دمرت هذه الآفة وهى الأرضة قرية (باحة المحارث) في منطقة (أبها) عن آخرها، فهجرها سكانها بسبب إصابتها بالنمل الأبيض، وأخفقت منظمة الأغذية والزراعة في إقامة مشروع لزراعة القطن، وتوطين البدو في منطقة حاكمة بسبب شدة إصابة المحصول بهذه الآفة، ولقد تعددت شكاوى المواطنين من مهاجمة النمل الأبيض لمساكنهم، وإتلافها لممتلكاتهم"، ومجتمع العلمانيين، مجتمع المنافقين مجتمع فساد، وتخريب، وأصدق مثال على ذلك الذي قلت لكم: إنه كتاب الله يقول الله -جل وعلا- في سورة سبأ (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)( ) . سليمان قضى الله عليه الموت فبقى على عصاه -انتبهوا لهذا المثل- الشياطين والجن ما علموا بموت سليمان فبقيت أمور المملكة سنة كاملة، وهي على أشدها، وعلى قوتها، الأرضة جاءت إلى عصا سليمان -عليه السلام-، وبدأت فيه مع الوسط، مظهر العصا ما فيه شيء سليمان واقف -عليه السلام-، والمملكة قائمة، وعلى أشدها، والأرضة تأكل، وتجوف هذا العصا، ولا تمس قشره حتى لا ترى، لأني قلت لكم: إنها لا تعمل إلا في الظلام في خططها، ووسائلها، وبعد سنة والشياطين والجن يتصورون أن الأمر قائم على أشده، وأن أمور المملكة قائمة ففجأة يسقط سليمان -عليه السلام-. أرأيتم؟ هكذا العلمانيون كم من الدول كانت قائمة، وكم من الدول كان الناس يراها على الإسلام، وتقيم شرع الله -جل وعلا- وفجأة هوت على أيدي العلمانيين؛ لأنهم يتآمرون ويخططون ويكيدون وما يعلم الناس، والناس لا يرون إلا المظاهر، فإذا فجأة بأن الأمور قد تغيرت. وإذا أن الأحوال قد تبدلت، فهم أخطر على أمتهم من خطورة النمل الأبيض هذا الأرضة على مجتمعها. (لعلي أواصل بعد الآذان إن شاء الله) بسم الله الرحمن الرحيم، أقول -أيها الإخوة -: هذا هو النوع الثاني من النمل وهو (الأرضة) وما تعمله من إفساد، وما تعمله من تخريب، وكما قلت: إنها أفنت قرى بأكملها، ولا أظن طالب علم إلا وقد مر أو ذاق من هذه الآفة، كم منا من يضع كتاب، كتاب البخاري، صحيح مسلم، أو غيرها من كتب العلم، ويفاجأ بعد فترة إذا أخذها، وإذا الأرضة قد أفسدتها، كم منا من وجد أن الأرضة قد عبثت في بيته بملابسه بغيرها من ممتلكاته، أقول: كما أن الأرضة تعبث هذا العبث بخفية، ولا نعلم إلا إذا وقعت المصيبة والبلية فكذلك يفعل المنافقون والعلمانيون، ظاهرهم النمل اسمه النمل الأبيض، ظاهر هؤلاء ألسنتهم أحلى من العسل، قلوبهم قلوب الذئاب، يفسدون الأمة (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)( ) لكن حقيقتهم (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)( ) . كما أننا نحذر من هذه الأرضة، ونتخذ الاحتياطات في بيوتنا، وفي مكتباتنا، وادخلوا إلى المكتبات المركزية في كثير من المكتبات في بلادنا تجدون أنها قد اتخذت الاحتياطات الكاملة خوفا من هذه الأرضة؛ لأنها مفسدة، فكذلك يجب أن نتخذ الاحتياطات في بلدنا، وفى مجتمعنا من هؤلاء المنافقين، ومن هؤلاء العلمانيين الذين نفاجأ بين فترة وأخرى بآثارهم وأعمالهم، وأنتم تدركون معي هذه الدلالات، ولا أظنه يكابر مكابر، أو يخالف مخالف، لا أظنه يكابر أحد ما يعمله العلمانيون في بلاد المسلمين. إن من أخطر ما مرت به الأمة الإسلامية -يا أحبتي الكرام- في العصور المتأخرة ليس الخطر الشيوعي على خطورته، ولا أقلل من خطورته، أخطر منه هو ما يعمله المنافقون والعلمانيون، والآن هم الذين يؤثرون في الساحة على كثير من وسائل التوجيه والتعليم والتربية والإعلام في بلاد المسلمين. فلذلك يجب أن نكون على حذر منهم، وأن نتيقظ لهم أكثر مما نتيقظ لهذه النملة التي تحدثت عنها؛ لأن خطورتهم عامة، وبليتهم مصيبة من المصائب التي لا ينفع معها الندم.. وبعد، هذه صورة عن النمل، الصورة الأولى التي رأينا فيها هذه النملة التي تحمل هم قومها، ولم تحتقر نفسها، رأينا الصورة التي لم تشتغل بتفسير أعمال القلوب، بل إنها تدافع عن سليمان حتى ذكر العلماء أن من سبب تبسمه -عليه السلام- أنه تبسم ضاحكا لما رأى، وسمع النملة تقول (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)( ) ولذلك أسباب عدة، رأينا هذا النمل المجتمع المتعاون، رأينا نموذج النمل الصادق، رأينا -أيها الأخوة- النمل المضحي، رأينا النمل الجاد. وهذه صفة بارزة -أيها الأخوة- يجمع عليها علماء الأحياء قالوا: لا يوجد في علم النمل هذا النوع من النمل نمل خامل أو متكاسل أو فاتر إلا نوع يسير يوجد في شرق آسيا، وهو لا شأن له، ولا قيمة له، أما مجتمع النمل فغالبه، والصفة العامة عليه الجد والصبر والتحمل والتضحية، فأين نحن من هذا الباب؟ إذا أدركك وهن -أيها الحبيب- أو ضعف فالله الله تذكر مخلوقات الله. ورمضان مقبل على الأبواب.أسأل الله أن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا على صيامه، وقيامه، وأن يتقبله منا، لا نقضي رمضان بالنوم -أيها الأخوة-، والأحاديث، والسهر، بل نقضيه بالجد والاجتهاد، فرسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخلت العشر شد المئزر وأيقظ أهله " ( ) صلى الله عليه وسلم وكل حياته صلى الله عليه وسلم جد ونشاط ودأب، رأينا في مجتمع النمل -كما قلت لكم- أنه مجتمع مسبح، يسبح بحمد الله -جل وعلا- ، يذكر الله -جل وعلا- (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)( ) هذه الصفات التي أشرت إليها، وقلت لكم: هي على سبيل الاختصار، وإلا لو أطلت لكان فيه مزيد من الإيضاح، والبيان. التعاون يا أحبتي الكرام، يا شباب الإسلام، يا طلاب العلم، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعداؤنا مجتمعون علينا، العلمانيون والمنافقون على ما بينهم من خلاف هم مجتمعون على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومجتمعون على أهل هذا البلد بصفة خاصة؛ لأنهم يعلمون أنهم إذا قضوا على هذه البلاد استطاعوا أن يحققوا كثيرا من مآربهم، لا أراهم الله ما يحبون. وأسأل الله أن يجعل تآمرهم تدميرا عليهم فأقول: لنتعاون -أيها الإخوة- كفى فرقة واختلافا، وإذا تفرقت قلوبنا، فماذا بعد ذلك أيها الأحباب؟ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)( ) (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)( ) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ)( ) . فيا أحبابي الكرام: الله الله لنأخذ العبرة والعظة من هذه الدروس التي بينتها، وأشرت إليها، فقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن تكون الحكمة هي رائدنا أنى وجدناها فنحن أحق بها، وأن نجعل هذا الكلام حجة لنا لا حجة علينا، وبارك الله فيكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته. المصدر ( صيد الفوائد ) |
||||
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تلاوة بصوت الشيخ عبد الغفور سليمان من صلاة القيام+ الدعاء | العــ روح ــيون | الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام | 10 | 09-24-2008 03:04 AM |
ترشيح (303) معلمة في بعض إدارات التربية والتعليم من المتقدمات للمفاضلة | عيوني العيون | گن عآلمآ أو مٌتِعلمآ | 2 | 08-07-2006 11:52 PM |
تعرف على ضيف العيون الشيخ العلامة الجهبذعبدالله بن عقيل | عطارد | الـمــلـــتـــقــى الـــعـــام | 3 | 07-29-2006 01:26 AM |