[align=center]نصف متاعب الناس بين قول «نعم» و«لا»
من أقوال أحد الفلاسفة المحدثين "إنّ نصف متاعب الناس فى هذه الحياة تعزى إلى تسرّعهم فى قول "نعم"، وعدم قولهم "لا" بالسرعة الواجبة"، وفى العرف الدبلوماسى يقول هـ.ل منكت:
"ومن علوم السياسية أنه عندما يقول الديبلوماسى "نعم" فذلك يعنى "ربما"، وعندما يقول "ربما" فذلك يعنى "لا"، وعندما يقول "لا" فإنه لا يكون ديبلوماسيا.
وفى هذا المقصد يأمر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بالتدبّر، والتؤدة، فيقول "إذا أردت أن تفعل أمرا فتدبّر عاقبته، فإن كان خيرا فأمضه، وإن كان شرّا فانته"، وفى حديث ثان يقول "إذا أردت أمرا فعليك بالتؤدة حتى يريك الله منه المخرج".
استقامة القلب فى استقامة اللسان
ومن أحاديثه عليه الصلاة والسلام ما يتضمّن النهى عن مخالفة الموعد إذ قال "لا تمار أخاك، ولا تمازحه، ولا تعده موعدا فتخلفه"، وعلى هذا الأساس حدّد الرسول عليه الصلاة والسلام فضيلة الاستقامة على أرض الواقع بقوله "لا يستقيم إيمان عبد، حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"، ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم بالترقّب، والتفكّر، والاعتبار، فقال "عوّدوا قلوبكم الترقّب، وأكثروا التفكّر والاعتبار".
قول الخير والسكوت عن الشر
وأمر بقول الخير، والسكوت عن الشرّ "قولوا خيرا تغنموا، واسكتوا عن شرّ تسلموا"، ولهذا يقول الشاعر ابن أبى حازم.
"إذا قلت فى شيء "نعم" فأتمّه * فإنّ "نعم" دين على الحرّ واجب
وإلاّ فقل "لا" تسترح وترح بها * لئلا يقول الناس أنّك كاذب"
وقد أوصى المهلّب ابنه عبد الملك، فقال له: "إياك والسرعة عند مسألة "نعم" أولها سهل فى مخرجها، وآخرها ثقيل فى فعلها، واعلم أنّ "لا" وإن قبحت فربّما روّحت، وإن كنت فى أمر تسأله على قدرة نفيه فاطمع، وإن عرفت أن لا سبيل إليه فاعتذر عنه وادفع، فإنّ من يدفع بالعذر فنفسه ظلم".
وقال أحد الشعراء:
"من قال "لا" فى حاجة * مطلوبة فما ظلم
وإنّما الظالم من * يقول "لا" بعد "نعم""
ولتجنّب الوقوع فى الخطإ بسبب عدم التمييز بين ما يندرج فى مجموعة "نعم" وبين ما يندرج فى مجموعة "لا" ، يتوجب على الانسان أن يحيا ببعض التشاؤم حتى لا يصدمه الواقع المرّ إذا تفاءل على الإطلاق.
وقد قال بيل دوجان "يخطىء من يظن أن المتفائل وحده هو الذى يسهم فى بناء المجتمع، فالمتفائل يخترع "الطائرة"، والمتشائم يخترع "البراشوت"، والطائرة بناء، لكن البراشوت أيضا هو الذى ينقذ صانع هذا البناء من الموت لكى يبنى من جديد".
فى التأنّى السلامة
فى رأيى أفضل أسلوب ومنهج، يستحسن إتّباعه، فى كل مسألة، أو قضية، أو مشورة، أو فعل ما، أو وعد، أن نسلك ما نصحنا به سيد المرسلين، وذلك باعتماد، الخصال التالية:
التدبّر لتتّضح العاقبة قبل الإقرار بـ"نعم" أو "لا"، والتؤدة لتجنّب التسرّع والعجلة، فقد قيل "فى التأنّى السلامة وفى العجلة الندامة"، وحتى يتميّز أمامك الخير عن الشرّ.
فمثلا عندما تضبط موعدا فهذا يندرج فى مجموعة "نعم" ويندرج فى مجموعة "لا"، فيتولد عن ذلك عواقب سيّئة، ولهذا حين يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعوّد على الترقّب، وهو مظهر من مظاهر الصبر، وبمزيد الإكثار فى التفكير لجمع أكثر ما يمكن من المعلومات والمعارف، وبالاعتبار من أحداث سابقة يتّعظ بها الانسان ويأخذها بعين الاعتبار قبل إصدار القرار.
وهذا يتجاوب مع ملاحظة الشاعر أن الإجابة بـ"نعم" هى دين على الحرّ وواجب عليه إتمامه والخلاص منه حتى لا يوصف المخالف بأوصاف مستقبحة.
وصدق المهلب فى وصيّته لابنه "مسألة نعم أوّلها سهل فى مخرجها، وآخرها ثقيل فى فعلها".
المسؤولية فى قول "نعم" أو "لا"
وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام -حسب حديث صحيح مسند لأنس وعائشة- "المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك".
وخير ما أختم به قول الله تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" "سورة الصف الآيتان 2 – 3". فهؤلاء "أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها" "سورة محمد الآية 24".
فخفّفوا من متاعب المتقبّلين من الناس يا معشر الباثّين، حتى لا تنعدم الثقة بينكم وبينهم. فالإصداع بـ"نعم".
مسؤولية، والاصداع بـ"لا" مسؤولية، فكن يا من تحملت مسؤولية "نعم" أو "لا" صادقا فى وعدك حتى لا تنهار فضيلة الثقة فى كل مجالات الحياة، وفى كل العلاقات بمختلف أنواعها، سواء كانت أسريّة، أو إدارية، أو تجارية، أو تربوية، أو إجتماعية أو غيرها.[/align]