http://dl.dropbox.com/u/50672091/%D9%811.png
بلغني أيُّها المَلِكُ السَّعِيد , ذو الرّأي السَّديد , والعَقـلِ الرَّشِـيد ,
أنهُ كان في بِلآدِ الهند والٍ يُدعَى "الحَبَردِيّ"
وكان ذا بأسٍ شَديد , لآيرحَمُ عجوزاً ولا وليد ,
وكان دَميمَ الخِلقَة , وعلى مابِهِ مِنْ دَمامَة لآزَمَهُ البُغضُ واللّئامَة .
وكان كثيرَ المال , قليلَ العِيال , مُرَفـَّه الحال .
لهُ عَبيدٌ و ممالِيكٌ وخَدَمٌ وجوارٍ ,
عَبيدٌ زِنجِيَّة , ومماليكٌ تُركيَّة , وخَدَمٌ حَبَشِيَّة , وجوارٍ فارِسِيَّة , وغِلمانٌ هِندِيَّة .
وكان "الحَبَردِيُّ" جبَّاراً على النِّساءِ الأرامِل , لآيَكُفُّ أذاهُ عنهُنَّ إلاَّ بِمُقابِلْ .
وكانَ على جَريِ عادتِهِ في غـُرَّةِ كُلِّ شَهر يُرسِلُ جَماعَةً مِنَ العبيد ذَوي البأسِ الشَّديد
تَحمِلُهُم الخيُولُ والجِمال , ومعهُم البِغال كي تَحمِل الأحمال ,
يجُوبونَ البِلآد , قاصِدِينَ بيوتاً تَسكُنُها أرامِل لديهِنَّ أموالٌ وأولاد .
يَضرِبونَ الأبوابْ ويَقتَحِمون البيوت , ويأخذون ماطآب لهُم مِن مالٍ أو قُوت
مُنادِينَ رَبَّة البيت : " إذا جاكِ الحَبَردِي يَردِي وش تَعطِينَه ؟ "
ولآيَرضونَ إلاّ بشيءٍ نَفيسٍ عَليهِ القِيمَة ,
فإن لم يَجِدوا فيأخذوا أحد أولآدِها غصباً بِأرخَصِ قِيمَة ,
فإن أبَت أخذُوها جاريةً لِلوالي وتركوا رَعِيَّتَها كَسِيرةً يَتيْمَة .
وذاتَ يومٍ تَوقَّفَتِ القافِلَةُ وَسَط البِلآد , عِندَ بيتٍ تَقطِنُهُ أرمَلَةٌ وأربعَةُ أولآد .
وإذا بِرئيسِ العَبِيد يَتَرَجَّلُ عن خَيلِهِ , ويَرفِسُ البابَ بِرِجلِهِ .
فِيَدخُلُ في الفِناء , فـَـيَرى أولاداً صِغاراً يَلعَبُونَ ويَمرحُون ,
تَتوسَّطُهُم بَقَرةٌ صَفراءَ ذاتَ قُرون .
وأرجُلٍ رَفِيعَة , وحوافِرَ دَقِيقَة .
ولكن تَبَدَّلتِ هذهِ الحالُ إلى حال
وأخذَ الرُّعب والخَوفُ يَدُبُّ في قلوبِ الأطفال .
فإذا بِالرئيسِ يُنادي العَبيد :
أن آتونِي بِسلسِلَةٍ وطَوقٍ مِن حَديْد
وخذوا هَذِهِ البَقَرةَ ومن رَقَبَتِها اربطُوها
وبالقافِلَةِ ألحِقُوها .
ووَسَطِ صُراخِ الصِّغار ,
يَزدادُ جَذبُ البَقَرةَ ويعـلو مِنها الخُوار
إذْ تُطِلُّ مِنْ خَلفِ تِلكَ الأستار
حَسناءَ كأنها قَمَرٌ مِنَ الأقمار
بِجَبينٍ أزهَر , وخدٍ أحمَر , وجِسمٍ كالمَرمَر
واسمُها "تَمامْ" وبَدَت كَبَدرٍ تَمام .
تُوَلْوِلُ وتقُول :
يآوَيلِي , وياسَوادَ لَيلِي
مَنْ أَنتُم ؟؟؟
وماذا تُريدُون ؟
وبأيِّ حَقٍ لِدارِنا مُقتَحِمُون ؟
ولِمالِنا أنتُم ناهِبُون !!
فقاطَعها رئيسُهُم وهو عابِسُ الوَجةِ وعاقِدُ الحاجِبَيْنِ :
ألا تَعرفِينَ مِن تُحادِثِيْن ؟؟
نَحنُ ..
فقاطَعَتهُ :
وَمَن غَيرُهُ يَفعَلُ هذا الفِعلَ المَشِيْن ؟
فقال : وَيْحَك !!
نَحنُ هُنا بِأمرِ الوَالي , نأتي لهُ بِما يَشاءُ مِن نَفيسٍ وغالٍ .
قالت : ولكنَّ هذا مالي , وأقتاتُ مِنهُ أنا وعِيالي !
فقال : أنتِ ومالديكِ مُلكاً لِلواليّ .
فقالت : خَسِئتُم ..
وبِكَيدِكُم بئتُم ..
وإلى واليِكُم بِخَيبَتِكُم عُدتُم ..
فقالَ : وَيْحَك !!
" إذا جاكِ الحَبَردِي يَردِي وش تَعطِينَه ؟؟ "
قالت تمامُ :
أُعطِيهِ مِنَ الهَواءِ بِحَجمِ السَّماء
ومَورِداً يَتَدَفَّقُ مِنهُ الماء
وإنَّ لهُ في الدُّنيا بَقاءٌ بِلآ فَناء
وسعادٌ بِلآ شَقاء
شَرطَ أن يَترُكَني والصِّغار , في بيتِنا ولنا مالنا آمنين أحرار
فاذهَب إلى سَيّدِك في الحال , وأخبِرهُ بِهذا المَقال .
فقال : مالكِ يامرأة !!
أأبدوا لكِ أحمَقاً !
أم سَفيهاً وأخرقاً ؟
الماءُ والهواء , والسعادةُ والشقاء , والحياةُ والفناء
بيدِ الله الذي لآيُحيطُونَ بشيءٍ مِن عِلمِهِ إلاّ بِما شاء .
فقالت :
كذلك انا وعيالي ,
خَلَقنا الله أحراراً لِنعبُدهُ
ولا لأحدٍ سُلطانٌ علينا
ولسنا مِن أملاكِ الواليّ .
فقال : ويلـَك !
أتخرُجين على العصا ؟
فالمَوتُ لِمن عصى .
فلمّا أدرَكت تمامُ أنّه ذو بأسِ وشِدَّة
تراجعت عن نَبرَةِ الحِدَّة
وخاطَبَتهُ بلينٍ وتؤدَة .
وأرادت أن تأخُذَهُ بالحِيلَة , عَلَّها تَسْلَمَ مِنهُ هذهِ الّليلَة .
فقالت :
إنّي أهبُ نفسي لك زَوجةً وتُشارِكني في مالي وحَلالي وتكونُ أباً لعيالي .
فضَحِكَ ساخِراً : مَالكِ وحلآلك ؟
لأن أعيشُ عَبداً ذليلاً لِلوالي خيرٌ من أن أعيش تحتَ وطأةِ الفقرِ وأنا مُتَيَقِنٌ بأنني من الجُوعِ لآشَكَ هالِك .
فقالت : ولكِنَّني صادِقَة , وفي المَكرِ لستُ بِحاذِقَة .
فضَحِكَ قائِلاً : ماتملكينَ سِوى هذه البقرة أبِعـقـلي تِستَهينين !!
قالت : إنَني أملُكُ ثَروةً هائلةً ورِثتُها منذُ حيْن .
أمهلني سويعات , وسآتيك ببعضِ مالديَّ مِن خيرات .
فأخذتِ البقرة واخـتفت بها عن الأنظار ,
وأمرت ولدها عمَّار ,
أن تَوجَّه بهذهِ البقرة إلى رابِعِ جار ,
وقُل لِلجارة : إنَّ هذهِ البقرةُ مِن والِدتي إعارَة .
فأعيريني بعضَ الأواني الفِضيَّة , والفاكِهةَ الشَّهيَّة .
فذهب إليها في الحال ,
وأحضر معهُ فاكِهةً وأقمِشَةً عديمَةَ المِثال .
وبدأت "تمامُ" بتحضيرِ مائدةَ الطَّعام ,
يكسوها قِماشٌ من حَرير , وعليها أصنافٌ من الطعامِ والخيرِ الوفير
فيها ماتشتهي الأنفسُ وتلذُ الأعيُن ,
مِن الخوخِ الدِّمشقيّ , والرُّمانُ التُّركيّ , وكُمَّثرىً وكيويّ ,
وبرقُوقٌ وتُفَّاحْ , وعصائرُ تحمِلُها أقداحْ ,
وأوانِ ماءِ وَردٍ ذاتَ عِطرٍ فوَّاحْ .
فلمَّا دَعَت رئيسَ العَبيد ومن معهُ انبهروا مما رأوا , وأكلوا وشربوا حتى شَبِعوا .
فأخذت "تمامُ" رئيس العَبيد إلى حاشيةٍ من البيت
وقالت : ليكُن مارأيت ومن مَعَك سِراً بيننا ,
فإذا ذهبتَ إلى الوالي قُل لهُ مارأيتُ سوى عجوزاً شمطاء , ليس لها ولدٌ ولا تَلَد .
فقال لها في خُبث :
حسناً , أمهليني يوماً أو يَومَين .
فَتوجَّهَ إلى الوالي وأخبَرهُ بِما رآه ومالم يَرَه .
فأمر الوالي بجماعةِ العَبيد .. وسألهم عمَّا رأوا فأخبروه بِكُلِّ شيء , هو يُنكِر وهم يُكَذِّبونَه .
ولكنَّ الوالي أوجَسَ مِنهُ خيفَة ,
فنادى بالسَّيافِ "شَرفَلَك" :
أنِ أقتُلهُ , فَضَرَبَ عُنُقَهُ بالسَّيفِ فهَلَك .
وبعدَحين أرسلَ الوالي "الحَبَردِيّ" إلى بيتِ "تمام" ثُلةٌ العبيد يترأسُهُم عبدٌ آخر ,
ففعلت بهم "تمامُ" مافعلتهُ مع رئيسِهِم الأول ,
وأمّا مصيرُهُ فكان كمصيرِ سالِفِه ,
إلى ان أرسَلَ ثالثَ رئيسٍ من رؤساءِ العبيد , فاستقبلتهُ "تمامُ" كما أستقبلت سابقيه .
فلمّا أخبرتهُ بِسِرّها تجلَّدَ وتَصَبَّر , وكتم أمرها في سرّهِ وأمام العبيدِ تنكَّر ,
وقبِلَ بالزواج من "تمام" التي تمكنت مِن قلبِه , وسلبت لُبَّه .
وأمّا "تمام" فلمست من الرئيسِ صِدقَ القولِ فاطمَأنت , وصارَ لها ماتمنَّتْ .
وأمَّا الرئيس فقد أمر حاشيتَهُ بالمكوثِ عندَ "تمام" ,
مُتذرِّعاً بأنها ربما تتحين الفرصة فتهرب والأنامُ نيام .
فتوجَّه إلى قصرِ الوالي ودبّر مكيدةً مع أحدِ المماليك لقتل واليهم "الحبردي"
فتمكنوا مِنه ونصّبوا عليهم رجُلاً من الأخيار , وعاشوا في البلادِ أُمناءَ أحرار .
وَ أدرَكَ شَهرَزَادَ الصَّباح , فَسَـكَـتـَتْ عَـن الكَلام ِ المُباح .
.